ملحمة الإنسان والزمان بقلم احمد النجار
ملحمة الإنسان والزمان
///// 7 //////
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي صبحي الجيار
////// الحلقة السابعة //////
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
يواصل أديبنا الراقي صبحي الخيار حكاياته في كتابه النادر ( ربع قرن في القيود ) يحكي لنا عن أبيه قائلا ......
ترك والدي بصمات سلبية في نفسيتي وكذلك بصمات ايجابية كثيرة أدين له بفضلها ، منها الإيمان والعلم ، وكان يتعلق أبي بالعلم نتيجة لبصمة سلبية تركها جدي في حياته عندما أهمل تعليمه رغم ثرائه ؛ فحرج أبي إلي الحياة وهو لا يحمل من المؤهلات الدراسية سوي لقب ساقط ابتدائية !
ومن هنا اتجه للعمل الحر كمقاول معماري ، بينما أتم أخوه الوحيد تعليمه في أمريكا ، وعندما سألت جدي
فيما بعد ؛ لماذا أهمل تعليم والدي بينما اهتم بتعليم عمي ؛ قال في بساطة ،عمك أراد أن يتعلم فصرفت عليه ، أما أبوك فكان يحب اللعب ورفض الذهاب إلي المدرسة بعد رسوبه في الابتدائية ، فتركته علي هواه !
هكذا قال جدي دون ندم أو تأنيب ضمير .
لذلك تأثر أبي كثيرا مما حدث له ، وأصر علي أن يتعلم أولاده إلي أقصي درجة ممكنة .
كان اهتمام أبي بتعليمنا يتخذ أشكالا عجيبة صارمة ، فهو يختار أحسن المدارس الأميرية ويسارع إلي دفع المصروفات المدرسية ، وكان يشجعنا بالمنح المالية عند نجاحنا ،حتي انه كان يتخذ تسعيرة ثابتة لكل درجة ؛ فكان يدفع لكل منا قرش صاغ عن درجة عشرة من عشرة ، أو تسعة ونصف من عشرة ، وقرش تعريفة عن التسعة من عشرة .
ومن الصفات الحميدة التي أخذتها عن والدي ؛ العطف علي الضعيف ، فقد كان رحمه الله في غاية الرحمة والشفقة علي فئة الخدم ، ولا اذكر انه أهان احدي الفتيات اللاتي التحقن بخدمة بيتنا طوال حياتي ، بل كان يتساهل كثيراً معهن ، وكان عطفه هذا يتجلي أيضا مع الباعة؛ فيتساهل معهن في الثمن ، ودائما يقول لأمي الحسنة المخفية في البيع والشراء .
لم يكن والدي متدينا ً ، بمعني انه لا يصلي ولا يصوم ولا يذهب إلي بيوت الله ، ولكن تصرفاته كانت أنبل كثيراً من هؤلاء الذين يحرصون علي مظاهر التدين ؛ ثم يعيثون في الأرض فساداً !
وكان والدي يمقت هذه الفئة ويتندر عليهم ، وأحيانا يتصادف أن أكون بجواره في نافذة حجرته المطلة علي ميدان فم الخليج ، ثم ينطلق آذان الصلاة فجأة ؛ فيهرع الناس إلي جامع سيدي الأنصاري المقام في الميدان ؛ فيضرب أبي كفا بكف وهو يشير إليهم قائلا ، هذا البقال فلان أكبر حرامي ، وهذا الذي يمسك المسبحة في يده أكبر ضلالي ، وهذا معروف انه تاجر مخدرات !
وكان يطلق علي هؤلاء مثلاً مأثوراً معناه ( يصلي الفرض ويفسد في الأرض ) !
ومن الأقوال التي كان يرددها في هذا المجال ( الدين المعاملة ) وكان هذا مبدأه وشعاره يطبقه بصدق وإخلاص ، ولم أره يوما طامعاً في مال غيره ولا متكالباً علي المادة ، ولا يشتهي أكلة معينة إلا نادراً .
ومن المتناقضات في تصرفات أبي أنه رغم تقديس العلم بالنسبة لأبنائه وللآخرين ، فلم يحاول أن يلحق بقطار العلم في أية مرحلة من حياته .
كان والدي يحب النوابغ من أصدقائي ، ويرحب بهم ،
بينما لا يهتم بالعاديين منهم حتي ولو كانت لهم مكانة خاصة عندي .
واذكر من زملائي النوابغ الذين كان يحبهم أبي اثنين في المرحلة الابتدائية هما محمود حلمي البساطي وعبد المنعم حسين حافظ ، وهما اللذان كانا يحتفظان بالمركز الأول والثاني في ترتيب الفصل حيث أكون أنا الثالث .
وكان أبي يشجعني كثيراً علي مصادقتهما ومصاحبتهما ، خاصة أنهما علي خلق عظيم .
وبعد هذا بسنوات طويلة ، في سنة 1953 تعرفت علي طالب في كلية الحقوق اسمه أحمد فتحي سرور عن طريق مجلة روايات الأسبوع التي كنت اعمل بها سكرتيرا للتحرير ، وكان يهوى الأدب وينشر قصصه في المجلة عن طريقي ، وكان هذا الصديق الذي أصبح الآن الدكتور أحمد فتي سرور مدرس القانون الجنائي بكلية الحقوق ، كان هذا الصديق من أقرب الناس إلي قلب أبي !
وكان يفرح كثيراً بزيارته لي ، ويتتبع خطواته بفخر الأب وحنانه ،ويضرب به المثل لكل خائب أو كسول !
////// تعليقي ..................
سبحان مغير الأحوال !
إنه هو نفسه الدكتور أحمد فتحي سرور ، أحد أركان حكم المخلوع حسني مبارك !!
عرفناه وزيراً للتربية والتعليم ، ثم رئيساً لمجلس الشعب المصري ، ثم الكاهن الأعظم لفرعون مصر الأخير الرئيس محمد حسني مبارك !
كان يحلل له الحرام ويحرم علي الشعب المصري السكين الحلال !
بقول اخرس أيها الشعب المصري ، مجلس الشعب سيد قراره !!
أنعم وأكرم بسيد قراره !!
نعود إلي حديث صاحبي العزيز صبحي الجيار عن والده :
كان والدي علي صلة وثيقة بمدرسي فصلي في جميع المراحل ، ويتردد علي المدرسة كثيراً ليعرف رأي أساتذتي في مجهودي الدراسي ، ويرجع إلي والدتي منشرحاً وعلي فمه ابتسامة رضا واسعة ، ويردد معها قول صقر أفندي مدرس اللغة العربية ( أبشر بهذا الغلام ) !
كنت اسمع حكايات المدرسين عني بشيء من الدهشة والاعتزاز ، ولم أكن اشعر أني أؤدي أكثر من واجبي ، ويبدو أن هذا الطراز من الطلبة لم يكن متوفراً، بحيث يبدو من يؤدي مجرد واجبه كأنه قام بمعجزة !
ولكن ..... هل دامت لي هذه الأبوة الحانية ؟!!
كلا .... للأسف !
فقد انقلب هذا الأب الحنون العطوف إلي ديكتاتور مستبد يمعن في إذلالي ، ولا تغرب شمس دون ان يتحداني ويستغل ضعفي ويهين كبريائي ، ويسفه آرائي ، حتي أصبحت الحياة معه جحيماً لا يُطاق ، ومما ضاعف من تعاستي أني لم أكن حتي أستطيع الهروب منه ، بعد أن وضعني القدر في القيود وتحت رحمته !
ولكن كيف حدث التحول الرهيب ؟!
سوف تعرفون ذلك من سياق أحداث حياتي ومأساتي .
ــــــــــــــــــــــــــــــ نكتفي بهذا القدر ــــــــــــــــــــــــــــ
&&&&& إلي اللقاء والحلقة الثامنة ....
&&&& من ملحمة الإنسان والزمان ...
&&&&& قريبا إن شاء الله ....
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
تعليقات
إرسال تعليق