حب المظاهر وثقافة القشور(د. صالح العطوان الحيالي الحيالي )

حب المظاهر و ثقافة القشور
ـــــــــــــــــ د . صالح العطوان الحيالي 9.6.2018
أخذ الاهتمام بالمظاهر الشكلية يسيطر على الثقافة المجتمعية ويسمها بميسمها، حيث حب الظهور والتباهي أشبه بوباء سرعان ما ينتشر بين الأفراد من مختلف الطبقات،اذ لم يعد الاهتمام بالشكل مقتصراً على الطبقات الميسورة، ليشمل الطبقة المتوسطة ويمتد حتى الطبقة الفقيرة أحياناً، ويظهر بوضوح بين النساء والشباب.
وفي السياق نفسه تتداخل وتشتبك رغبات وحاجات الانسان الأساسية ومتطلباته، كأن يرغب الأنسان في امتلاك سيارة جميلة او منزل مريح، يصل الأمر في بعض الحالات إلى اعتبار هذا الأمر متطلبا ضروريا وإلزاميا رغم عدم توفر الامكانيات المتاحة لتحقيقه.
علاقة الإنسان بالمظاهر قديمة قدم المجتمعات البدائية التي حملت معها ألواناً من الشكليات والتقاليد وميزت بين البشر لناحية مظهرهم الخارجي .. ولباسهم .. وقضياتهم الشخصية ... ومع تطور الحضارات تعلق الإنسان بالقشور الاجتماعية التي ابتدعتها مخيلته وأصبحت مع الوقت جزءاً لايتجزأ من ذاته ... والسند الذي يزوده بالمناعة والقوة .. وعلماً أن حب الظهور هو من حيث المبدأ من صلب الطبيعة البشرية ... إلا أنه يتخذ في بعض المجتمعات أشكالاً مرضية تتفاوت حدتها بحسب تركيبة هذه المجتمعات وأسسها العامة
في المجتمعات الراقية
ــــــــــــــــــــــ ففي المجتمعات الراقية وخصوصاً في الدول الكبرى حيث التطور الفكري والعدالة وسيطرة المؤسسات الرسمية الحامية لحقوق المواطن يقل عموماً حب التعلق بالمظاهر ... بل يعاد ينعدم في صفوف عامة الشعب لينحصر بأقليات الأثرياء ونجوم المجتمع من فنانين وسياسيين يحلو لهم أحياناً لفت الانظار لمصالح وأهواء شخصية
في المجتمعات النامية
ـــــــــــــــــــــ أما في المجتمعات النامية حيث يتقلص دور المؤسسات الرسمية المساندة ... ويضطر الفرد إلى الاعتماد على نفسه وتأمين مستقبله بوسائله الخاصة ... فيكثر التباهي بالمظاهر والميزات الشخصية ... بالإضافة إلى الانتماء العائلي والاجتماعي واللافت للنظر أن حب التباهي في هذه المجتمعات يتخطى الحدود المعقولة ... إذ يدفع بالأفراد أحياناً إلى بيع الممتلكات أو الاستدانة لشراء سيارة فخمة أو ثياب أنيقة ومفروشات باهظة الثمن ...
وهكذا يتحول هذا الشعور العفوي إلى مرض اجتماعي خطير يفتك بالعائلات المحدودة الدخل ... ويعرض أفرادها لشتى أنواع الصراعات النفسية .
رجل وسيم ,يرتدى أفخم الثياب,وأحدث الموديلات,ويحمل أغلى الهواتف المحمولة, وإذا جلست معه تجد عقله فارغ وليس لديه أي ثقافة وأي فهم ولا يقرأ وليس له اهتمامات محترمة.
امرأة (شيك) وترتدي ثيابا أنيقة , وأحدث صيحات الموضة والعبايات, وإذا خاطبتها تجدها قمة في الجهل ولا هم لها إلا الشراء والبحث عن المقتنيات الغالية.
رجل يرتدى ملابس توحي بأنه متدين ويتكلم بكلمات دينية , ويدَّعِى التدين, وإذا حاورته وتكلمت معه وتناقشت معه في كتب الأولين والآخرين تجده يقول لك: شيخي فلان قال كذا وأنا لا أقرأ ولا أحب القراءة ونسى أن الله تعالى أول ما قاله لنا في القرآن: "اقرأ" ونسى أن القرآن يمتلئ بالآيات الدالة على التفكر والتعقل.
للأسف تتميز بلادنا العربية بظاهرة غاية في الخطورة وهى من أسباب تخلفنا, وهى حب المظاهر والحكم على الأشياء من خلال مظهرها,وهذا الحب وهذه الظاهرة امتدت لكل الطوائف وكل المجالات.
وثقافة القشور هذه إذا أعدناها إلى أصلها وجدنا أنها من النفاق فقد قال تعالى:"وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم".
وعلى النقيض نجد من نطلق عليهم لفظ الأجانب من غير المسلمين لا يهتمون ابدأ وإطلاقا بهذه المظاهر بل بالعكس , فهم يتصرفون ببساطة وتلقائية , وتجد أحدهم يحمل تليفونا محمولا من أقدم الموديلات, وتجدهم يخرجون أحيانا يرتدون في أرجلهم (شبشب).
وإذا تساءلنا لماذا؟ ..لماذا يتسم العرب بحب المظاهر؟
الإجابة تكمن في ضعف الثقة بالنفس الناتج عن الخواء الداخلي وللأسف أصبحت نقطة الضعف هذه ظاهرة وانقلب الأمر إلى مجرد تقليد وتنافس على اقتناء أغلى الأشياء والتظاهر من خلال ذلك بالتميز. حتى إنه أحيانا كثيرة تمتد هذه الظاهرة إلى الفقراء , فلن أنسى أبدا الخادمة التي تصر على حمل تليفون محمول بكاميرا ولا ترضى عنه بديلا وتتحمل ثمنه بالتقسيط , كل هذا من أجل المظاهر.
وفى بعض الدول العربية يتحمل الناس الديون برغم أن دخولهم عالية جدا أيضا من أجل ارتداء أغلى الثياب وركوب أغلى السيارات حتى إن بعض دول الخليج تجد أنه من العيب عدم تغيير السيارة كل عام. وفي المقابل تجد العرب خاضعين للغرب عن طيب خاطر , ولا يحاولون تطوير أنفسهم إلا من رحم الله.
وترجع هذه الظاهرة أيضا إلى ضعف الإيمان ,وفيها نفاق كما قلنا , فإذا ذهب الإيمان من القلب حل محلة النفاق على قدر ذهاب الإيمان.
ويرجع علماء النفس هذه الظاهرة إلى عقدة نقص أو ضعف الثقة بالنفس وهذا يؤيد ما قلناه.
وامتدت هذه الظاهرة لتشمل الأطفال, فأنا أعرف العديد من الأسر التي تصر على تعليم أبنائها في إحدى المدارس الدولية والتي يئن الطلبة منها ومن إدارتها المتعسفة من الفساد الأخلاقي بها كل ذلك ليقال أبنائي في مدرسة كذا.
وهكذا استبدل الناس المملوء بالفارغ والثمين بالغث ,فإن عود القمح المملوء تجده منحنى بينما عود القمح الفارغ تجده منتصب.
وتجد أن الإنسان المثقف والعالم مثلا من أشد الناس تواضعًا في أغلب الأحيان , وذلك لأنه واثق من نفسه لا يحتاج إلى تجميل المظهر, وأنا هنا لا أعنى إهمال المظاهر بل أرفض جنون المظاهر مع خلو الجوهر.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن امتلأت قلوبهم بالإيمان وعقولهم بالعلم.
د. صالح العطوان الحيالي - العراق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي