ليلة العرس بقلم((محمد عاشور قاص وروائى))
ليلة العرس
قصة قصيرة بقلم /محمد على عاشور
بعد منتصف الليل كالعادة سمع الناس صراخها ، قالوا لبعضهم أنه يضربها .
كان يضربها ، ويوسعها ضرباً ، وكانت تصرخ صراخاً رهيباً ، كأنه صراخ لآلاف النساء يخرج من فم واحد ، وبرغم ذلك كانت تحبه ، و تزداد فى حبه ، هذا الحب اللا معقول الذى يحدث بينها وبينه .
يجلس فى اليوم الثانى فى المقهى ، يحكى عما فعله بها عندما خرجت له من البحر عارية ، يتناثر الماء فوق جسدها ، و أنها فى كل مرة يراها تكون أجمل من سابقتها ، فى كل مرة تحاول أن تأخذه معها إلى الماء ، فيضربها ويوسعها ضرباً ، وهى تصرخ فيه و تخبره أنه لن يتزوج غيرها ، و إن فعل سيكون آخر يوم فى عمره .
يتعجب الناس عندما يسمعون ذلك ، فقد رأها بعضهم ، هى ليست جميلة ، فوجهها مثل وجه القرد ، وشعرها لونه أحمر طويل يتدلى إلى الأرض، تمشطه دائماً ، و قدماها قدما نعامة ، أما جسدها فجسد إمرأة عارية ، فكيف يراها جميلة ؟
يقول لهم شيخ قد اتكأ على عصاه : ألم تعلموا أن الجن يتشكل فى أى صورة .... إنها تظهر له كأجمل إمرأة ليحبها .
يرى الفتاة التى يتعلق بها قلبه ويخطبها ، وتنتظر القرية كلها ما سيحدث عندما يمر من عندها ، فينتظرون حتى منتصف الليل ، ثم يسمعون الصراخ الشديد ، فظهرت له عارية جميلة ، وحاولت جذبه إلى الماء بالقوة ، لكنه أخذ يضربها و هى تصرخ وتحذره بأنه لن يتزوج غيرها ، لكنه تركها وهى تصرخ وتهدده .
ليلة فرحه تجمع الناس وعلت الزينة و انتشرت الأنوار ، جلس بجوار العروس ، وبدأ الناس يصفقون مع المزمار ، لكن صراخها أخذ يسمع من بعيد ثم بدأ يقترب ويقترب و يصم الأذان ، فأخذت الأشجار تهتز و تتحطم من الاهتزاز وبدأ الناس يهرعون ثم يولون مدبرين ، فيختطف عروسه ويهرول بها إلى داره ، لكنها ظلت تصرخ وتولول طوال الليل و لم ينم أحد من أهل القرية . بعد أن انتهت إجازة عرسه ، مر من مكانها ، رأها تخرج من الماء كأجمل ما تكون ، وقد ارتدت فستان الزفاف وقالت له فى صوت كله صرامة : هذه ليلة عرسنا .
أراد أن يدفعها ، لكنه وجدها ثابتة ، فرفع يده و هوى على وجهها ، فلم تصرخ ، وجدها واقفة ولم تتزحزح ، وأراد معاودة ضربها لكنها أمسكت بيديه و استماتت عليهما ، ثم أخذت تقهقه وهو يحاول التملص منها ، لكنه وجد ملامحها تتغير ، يتحول وجهها مثل وجه القرود ، وشعرها إلى اللون الأحمر ، وقدماها إلى قدم نعامة وقد إحمرت عيناها واتسعت كالطبق ، وقالت له الليلة هى ليلة عرسنا .
سمع الناس صراخه ، ولم يتحرك أحدٌ من مكانه .
فى الصباح خرجت العروس تصرخ وتحمل على رأسها التراب ، والقرية فى إثرها ، حتى وصلوا إلى مكانها .
وجدوه طافياً على وجه الماء ، عارياً ، وقد امتلأ فمه بالطين وقد تعلقت أصابعه بكثير من القش .
تعليقات
إرسال تعليق