العاشق الشهم بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي
العاشق الشهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق-3-7-2018
من نوادر العرب يرويها لنا الأديب الاصمعى ,فمن هو الاصمعي
عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي (121 هـ- 216 هـ/ 740 - 831 م) راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان.
نبذة عن حياته
ـــــــــــــــ
الأصمعي (نسبته إلى جده أصمع)، اسمه عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي، اشتهر بشعره و علوم اللغة و معرفته بالبلدان لكثرة ترحاله، فكان يجمع الأخبار و العلوم و يرجع بها ليقصها على الخلفاء، له العديد من التصانيف كالأراجيز ، و الاشتقاق، والأصمعيات، والكلام الوحشي، وغريب الحديث، وفحولة الشعر، والخيل، و السلاح، و غيرها الكثير.
حياة الأصمعي
ـــــــــــــــــ ولد في البصرة في عصر اشتهر بازدهار علوم النقل فيه، و نشأ في عائلة أفرادها متعلمون، حيث كان الخلفاء يشجعون على العلم و الثقافة، و شهد عملية جمع الأحاديث النبوية الشريفة.
رحل إلى بغداد في عهد هارون الرشيد، الذي أطلق عليه لقب (شيطان الشعر)، لحفظه عدداً كبيراً من القصائد.
كان معروفاً بتحريه الضبط الصحيح و تقصيه أسرار اللغة، و يرجع هذا لاتقانه تجويد القرآن الكريم على يد أحد القراء السبعة (أبي عمرو بن العلاء).
كان الخلفاء يحبون مجالسته و الاستماع لطرائفه و قصائده، و يغدقون عليه بالعطايا، و كان المهتمون بالعلم في عصره يتتبعون أخباره للإستفادة من علمه و معرفته.
من أشهر قصائده قصيدة (صوت صفير البلبل)، التي تحدى بها الخليفة أبي جعفر المنصور، حيث قام الخليفة بتحدي الشعراء أن يأتوا بقصيدة لم يسمعها من قبل، و كانت لديه القدرة على حفظ القصيدة بعد سماعها مرة واحدة، و لدى غلامه القدرة على حفظ القصيدة بعد سماعها مرتين، أما الجارية فتستطيع أن تحفظ القصيدة عند إعادتها على مسمعها ثلاث مرات، فإذا ألقى أحد الشعراء قصيدة على الخليفة، يقوم ثلاثتهم (الخليفة و الغلام و الجارية) بإعادتها على مسمع الشاعر فبذلك يدعي الخليفة أن القصيدة قديمة و لا يكافأ الشاعر بشيء حينها، ولما سمع الأصمعي بحيلة الخليفة، نظم قصيدة صعبة الحفظ، و دخل على الخليفة متنكراً كي لا يعرفه، و بالفعل تمكن من التغلب على الخليفة في ذاك التحدي، ولم يستطع الخليفة والجارية و الغلام من سرد القصيدة، فاستحق وزن عمود من الرخام كانت قد نقشت عليه القصيدة ذهباً و لكن الأصمعي طلب من الخليفة المنصور أن يقوم بتوزيع هذه المال على الشعراء الذين أخفقوا في التحدي من قبله، و كان له ما أراد.
توفي الأصمعي في عهد خلافة المأمون في البصرة و دفن فيها، و رثاه العديد من الشعراء في قصائدهم.
شهرته
ـــــــــــ تمتع الأصمعي بشهرة واسعة فقد كانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته ، وقد هيأت مجالس الرشيد له أن يذيع صوته في كل الأوساط والمحافل الأدبية فسعى يجمع الأخبار والأشعار ، ويدقق في اختياره لها وفي إنشاده ، بحيث دفعت هذه الشهرة الرواة أن يضعوا أخباراً وأقوالاً تنسب إليه . ومما يبرهن على شهرته الواسعة ، وتفوقه على أقرانه ما نراه من غالب المصنفين الذين جاءوا من بعده يستقون ثروته اللغوية والأدبية . كما أن كتب اللغة والأدب قد جمعت الكثير من الأخبار و الأشعار التي يرويها ، وكان يعلل شهرته بقوله : وصلت بالعلم ، وكسبت بالملح . من أشهر قصائده قصيدة صوت صفير البلبل.
حُكِي عن الأصمعي ،، أنه قال :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ دخلت البصرة أريد بادية بني سعد , وكان حاكم البصرة يومئذ خالد بن عبد الله القسري , فدخلت عليه يوماً فوجدت قوماً يمسكون بشاب ذي جمال وكمال وأدب ظاهر بوجه زاهر حسن الصورة طيب الرائحة جميل البزة ( الهندام ) عليه سكينة ووقار فقدموه إلى خالد فسألهم عن قصته فقالوا :
هذا لص أصبناه البارحة في منازلنا فنظر إليه فأعجبه حسن هيئته ونظافته فقال : خلوا عنه , ثم أدناه منه وسأله عن قصته
فقال : إن القول ما قالوه والأمر على ما ذكروه
فقال له : ما حملك على ذلك وأنت في هيئة جميلة وصورة حسنة ؟
قال : حملني الشر في الدنيا وبذا قضى الله سبحانه وتعالى
فقال له خالد : ثكلتك أمك أما كان لك في جمال وجهك وكمال عقلك وحسن أدبك زاجر لك عن السرقة
قال : دع عنك هذا أيها الأمير وأنفذ ما أمرك الله تعالى به فذلك بما كسبت يداي وما الله بظلام للعبيد
فسكت خالد ساعة يفكر في أمر الفتى ثم أدناه منه وقال له : إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني وأنا ما أظنك سارقاً وإن لك قصة غير السرقة فأخبرني بها
فقال : أيها الأمير ،، لا يقع في نفسك سوى ما اعترفت به عندك وليس لي قصة أشرحها لك إلا أني دخلت دار هؤلاء فسرقت منها مالاً فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك فأمر خالد بحبسه
وأمر منادياً ينادي في البصرة : ألا من أحب أن ينظر إلى عقوبة فلان اللص وقطع يده فليحضر من الغد ، فلما استقر الفتى في الحبس ووضع في رجليه الحديد تنفس الصعداء ثم أنشد يقول :
هددني خالد بقطع يدي …. إن لم أبح عنده بقصتهــــــــا
فقلت : هيهات أن أبوح بما …. تضمن القلب من محبتها
قطع يدي بالذي اعترفت به …. أهون للقلب من فضيحتها
فسمعه الموكلون به فأتوا خالداً وأخبروه بذلك فلما جن الليل أمر بإحضاره عنده فلما حضر استنطقه فرآه أديباً عاقلاً لبيباً ظريفاً فأعجب به فأمر بطعام فأكلا وتحادثا ساعة ثم قال له خالد : قد علمت أن لك قصة غير السرقة , فإذا كان غداً وحضر الناس والقضاة وسألتك عن السرقة فأنكرها واذكر فيها شبهاتٍ تدرأ عنك القطع ثم أمر به إلى السجن
○ فلما أصبح الناس لم يبق بالبصرة رجل ولا امرأة إلا حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى , وركب خالد ومعه وجوه أهل البصرة وغيره ثم دعا بالقضاة وأمر بإحضار الفتى فأقبل يحجل في قيوده ولم يبق أحد من النساء إلا بكى عليه وارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب فأمر بتسكيت الناس
ثم قال له خالد : إن هؤلاء القوم يزعمون أنك دخلت دارهم وسرقت مالهم فما تقول ؟
قال : صدقوا أيها الأمير ، دخلت دارهم وسرقت مالهم
قال خالد : لعلك سرقت دون النصاب
قال : بل سرقت نصاباً كاملاً
قال خالد: فلعلك سرقته من غير حرز مثله ؟
قال : بل من حرز مثله
قال خالد : فلعلك شريك القوم في شيء منه ؟
قال : بل هو جميعه لهم لا حق لي فيه
فغضب خالد وقام إليه بنفسه وضربه على وجهه بالسوط وقال متمثلاً بهذا البيت
يريد المرء أن يعطى مناه = ويأبى الله إلا ما أرادا
ثم دعا بالجلاد ليقطع يده , فحضر وأخرج السكين ومد يده ووضع عليها السكين , فبرزت فتاة من صف النساء فصرخت ورمت بنفسها عليه
ثم أسفرت عن وجه كأنه البدر وارتفع للناس ضجة عظيمة كاد أن تقع منه فتنة ثم نادت بأعلى صوتها :
إليه رقعة (رسالة مطوية) ففضها خالد فإذا هي مكتوب فيها هذه الأبيات
أخالد هذا مستهام متيمٌ … رمته لحاظي من قسي الحمالــــــق
فأصماه سهم اللحظ مني فقلبه … حليف الجوى من دائه غير فائــــــــق
أقر بما لم يقترفه لأنه … رأى ذاك خيراً من هتيكة عاشـــــــق
فهلا على الصب الكئيب لأنه … كريم السجايا في الهوى غير سارق
فلما قرأ الأبيات تنحى وانعزل عن الناس وأحضر المرأة ثم سألها عن القصة , فأخبرته أن هذا الفتى عاشق لها وهي له كذلك وأنه أراد زيارتها وأن يعلمها بمكانه فرمى بحجر إلى الدار فسمع أبوها واخوتها صوت الحجر فصعدوا إليه فلما أحس بهم جمع قماش البيت كله وجعله صرة فأخذوه
وقالوا : هذا سارق وأتوا به إليك فاعترف بالسرقة وأصر على ذلك وهان عليه قطع يده لكي يستر علي ولا يفضحني كل ذلك لغزارة مروءته وكرم نفسه فقال خالد : إنه خليق بذلك
ثم استدعى الفتى إليه وقبل ما بين عينيه وأمر بإحضار اب الفتاة وقال له : يا شيخ إنا كنا عزمنا على إنفاذ الحكم في هذا الفتى بالقطع وإن الله عصمه من ذلك وقد أمرت له بعشرة آلاف درهم لبذله يده وحفظه لعرضك وعرض ابنتك وصيانته لكما من العار , وقد أمرت لابنتك بعشرة آلاف درهم وأنا أسألك أن تأذن لي في تزويجها منه
فقال الشيخ : قد أذنت أيها الأمير بذلك
د. صالح العطوان الحيالي
تعليقات
إرسال تعليق