الحرب الإعلامية عند المسلمين الأوائل بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

الحرب الاعلامية عند المسلمين الاوائل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق= 18-8-2018
الحرب الإعلامية تعريفاتها: فن الانتصار بدون حرب. وهي في الأغلب تسعى للسيطرة على عقل وقلب الخصم بحيث تصنع ضبابية في الفهم والتصور. إنها تقوم علي صُنع هالة أمام أعين الخصم، يعجز معها عن تقدير قوة خصمه بما يُمكِّن للطرف المستهدِف السيطرة العقلية والروحية على المستهدَف.
الحرب الإعلامية وسائل من يمتلكها ينجح بقدر ما يوليه لهذه الحرب من أهمية، وللحق فقد استطاع الكفار السيطرة على أفهام الكثير من الناس بفضل الجهد الجبار الذي يمارسوه في حربهم الإعلامية، وما ذاك إلا لخروج المسلمون من حصنهم الذي يقيهم سهام الرامين والدرع الذي يحميهم من طعنات الطاعنين، ليلجوا في مستنقع الجاهلية والاعلام الكافر بمحض إرادتهم، فيصدقوا الكاذب ويؤمنوا الخائن " وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ".
تعتمد الحرب الإعلامية على عدة نقاط ضرورية لتكتمل دائرة السيطرة على الخصم:
- التهويل من قدرة المستهدِف والتهوين من قدرة المستهدَف.
- تبرير الحرب بالأخلاق والمبادئ، والتشكيك بأحقية الخصم بالحُكم.
- تمييع المصطلحات بحيث يُحار في فهمها كالارهاب والتطرف ومن ثَم يعجز عن مواجهتها.
- الكذب في النتائج واستباق حدوثها. وكأنَّ الحرب قد انتهت والقوات قد استسلمت وفي الحقيقة أنها لم تبدأ بعد.
- إضفاء نوع من القداسة على رموز المستهدِف.
وللحق أيضاً فالحرب الإعلامية في مُجملها تقوم على الكذب والتضليل والخداع والتمويه، ولكنها في النظرية الإسلامية جاءت كأسمى ما تكون عليه الأطروحات، وقد اعتمدت على الحقائق والوقائع المحسوسة والملموسة، وإنْ داخلها بعض المفاهيم كـالحرب خدعة ، ولكنها في أضيق الحدود وللوصول إلى الحق، وهي جزء من الحرب وهنا نلاحظ ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد شنت عليه اول حرب اعلامية في هذه الحادثة اذ كان أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتربص له كل ما جلس عند وفد أو جماعة حدثهم بأنه نبي مرسل فإذا قام من عندهم أتاهم أبو لهب وقال لهم لا تصدقوا فانه كذاب وكذلك الوليد بن المغيرة قام هو ومشركو مكة بتشويه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الوليد يا معشر قريش انه قد حظر موسم الحج وان وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم يعني محمد صلى الله عليه وسلم هذا فاجمعوا رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد قولكم بعضا بعضا فقالوا يا ابى عبد شمس قل و أقم لنا رأيا نقول
قال: بل انتم قولوا اسمع
فقالوا :كاهن
فقال: ما هو بكاهن ولقد رأيت الكهان فما هو بزمزرة كاهن وسمعه
فقالوا: مجنون
فقال: ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو تخمه ولا تخالجه ولا وسوسته
فقالوا :شاعر
فقال: ما هو شاعر قد عرفنا الشعر برجزه و قر يضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر
قالوا: فنقول ساحر ا ساحر فقولوا ساحرا يفرق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه والمرء
ومن هنا نلاحظ ان قريش استخدمت الحرب الاعلامية ضد الرسول باقذر صورها وكان لزاما على الرسول وهو سيد الخلق واعلمهم بادارة الحروب النفسية والتعبوية ضد اعدائه الى الجؤ الى الحرب الاعلامية وفق مفهومها الاسلامي ووفق ما تتطلبه ساحة المعركة بينه وبين خصومه وقد تواتر عن سيرة الرسول كثيرا ما استخدم اسليب الحرب النفسية والاعلامية ضد اعدائه الى درجه استطاع بها ان يسبقهم بخطوات كبيرة وسهل له حسم الكثير من النزاعات دون الحاجة الى سفك الدماء وسنورد بعضا من هذه الحروب الاعلامية التي شنها الرسول ص ولكن قبلها سناتي الى استخدام الرسول الى الشعراء في شن مثل هذه الحروب وخصوصا في ضل عدم توفر صيغ الإعلامية أخرى أنجع من الشعر الذي كان لغة العرب ومصدر من مصادر قوتها في ذلك العصر ومن شعراء الرسول حسان بن ثابت قال صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور :
" إن من الشعر لحكمة "
ومن أمثال هؤلاء الشعراء البارزين في العصر الإسلامي ، حسان بن ثابت شاعر الإسلام .
حسان بن ثابت الأنصاري شاعر عربي وصحابي من الأنصار، ينتمي إلى قبيلة الخزرج من أهل المدينة، كما كان شاعراً معتبراً يفد على ملوك آل غسان في الشام قبل إسلامه، ثم أسلم وصار شاعر الرسول بعد الهجرة. توفي أثناء خلافة علي بن أبي طالب بين عامي 35 و 40 هـ.
هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري من أهل المدينة، ومن بني النجار أخوال عبدالمطلب بن هاشم جد النبي محمد من قبيلة الخزرج، ويروى أن أباه ثابت بن المنذر الخزرجي كان من سادة قومه، ومن أشرفهم، وأما أمه فهي الفزيعة بنت خنيس بن لوزان بن عبدون وهي أيضا خزرجية. ولد 60 قبل الهجرة على الأرجح صحابي وكان ينشد الشعر قبل الإسلام، وكان ممن يفدون على ملوك الغساسنة في الشام، وبعد إسلامه أعتبر شاعر النبي محمد بن عبد الله.
وأهدى لهُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم جارية قبطية قد اهداها لهٌ المقوقس ملك القبط وأسمها سيرين بنت شمعون فتزوجها حسان وأنجبت منهُ ولدهُ عبد الرحمن، وحسن إسلامها وهي أخت زوجة الرسول مارية القبطية.
ولقد سجلت كتب الأدب و التاريخ الكثير من الأشعار التي ألقاها في هجاء الكفار ومعارضتهم، وكذلك في مدح المسلمين ورثاء شهدائهم وأمواتهم. وأصيب بالعمى قبل وفاته، ولم يشهد مع النبي مشهداً لعلة أصابته ويعد في طبقة المخضرمين من الشعراء لأنه أدرك الجاهلية والإسلام. وتوفي في المدينة زمن خلافة علي بن أبي طالب
كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت( اهجهم وهاجهم وجبريلُ معك )وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تسبّوا حسّاناً ، فإنه ينافحُ عن الله وعن رسوله
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من شق النبل) فأرسل إلى ابن رواحة فقال: (اهجهم) فهاجهم فلم يرض، فأرسل إلي كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم قال: والذي بعثك بالحق لأقرينهم بلساني قرع الأديم.
روى مسلم بسنده عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال اللهم نعم.
لمّا كان يوم الأحزاب ، وردّ الله المشركين بغيظهم لم ينالوا خيراً ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :من يحمي أعراض المسلمين ؟قال كعب بن مالك أنا وقال عبد اللـه بن رواحة أنا يا رسـول اللـه . قال إنّك لحسنُ الشعر وقال حسان بن ثابت أنا يا رسول الله قال : نعم ، اهجهم أنتَ ، وسيعينُكَ عليهم رُوح القُدُس
روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين قال كيف بنسبي فقال حسان لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين
مرَّ عمر بن الخطاب على حسّان وهو ينشد في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فانتهره عمر ، فأقبل حسّان فقال كنتَ أنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك :فانطلق عمر حينئذٍ ، وقال حسان لأبي هريرة أنشدك الله هل سمعتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يا حسّان ! أجبْ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، اللهم أيّده بروح القُدُس (قال اللهم نعم )
كانت وفود القبائل تَقْدَم على الرسول صلى الله عليه وسلم للمفاخرة فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يستعين بشاعره حسان للرد عليهم ومفاخرتهم، وكانت الروح الإيمانية والبراعة الشعرية عند حسان مدعاة لاعتناق بعض القبائل الإسلام، فقد اعتلى حسان المنبر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يوم انتصاره الأدبي العظيم على شعراء بني تميم في وفودهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفدوا عليه بعد فتح مكة ليفاخروه، وفيهم ساداتهم البارزون، ونخبة من خطبائهم وشعرائهم، أمثال الأقرع بن حابس، والزَّبْرِقان بن بدر، وعُطارد بن حاجب، وقيس بن عاصم، فألقوا خطبهم وقصائدهم، فانتدب النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت للرد على شاعرهم الزِّبْرقان بن بدر، فنقض قصيدته بالقصيدة العينية التي يقول فيها:
إنّ الذوائب من فهر وإخــوتهم قــد بينوا ســنةً للناس تُتّبع
يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
قومٌ إذا حاربوا ضروا عـدوّهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محــدثة إن الخلائق_فاعلم_ شرُّها البدع
إن كان في الناس سبّاقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبــع
ولايضنون عن مولى بفضــلهم ولايصيبهم في مطـــمع طبع
لايجهلون وإن حاولت جهلـهم في فضل أحلامهم عن ذاك مُتسع
أعفّةٌ ذكرت في الوحي عفتـهم لايطمعــون ولايرديهم الطمع
كم من صديق لهم نالوا كـرامته ومن عدوٍ علـيهم جاهد جدعوا
أعطوا نبي الهدى والبر طاعتـهم فما ونى نصرهم عــنه ومانزعوا
أكرم بقوم رسول الله شيعتهـم إذا تفرقت الأهواء والشـــيّع
فلما سمع القوم ماقاله حسان، قال الأقرع بن حابس: إن هذ الرجل لمؤتى له، والله لخطيبه أخطب من خطيبنا، وشاعره أشعر من شاعرنا، وأصواتهم أعلى من أصواتنا، ثم أقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه وأسلموا.
المديح عند حسان:
كان حسان ينظر في مديحه للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه رضي الله عنهم، من الزاوية الدينية، لا من الزاوية القبلية،لذلك جاءت مدائحه صادقة، ونابعة من قلبه وعقله، وهذه أبيات يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَغـــرّ عليه للنبوة خاتم مـن الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن: أشهد
وشق لــه من اسمه ليجله فـذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعــد يأس وفترة مــن الرسل، والأوثانُ في الأرض تعبد
فأمسى سراجاً مستنيراًوهادياً يلـوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا ناراً وبشّــر جنةً وعلمـــنا الإسلام فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي بذلك ماعـمّرت في الناس أشهد
ومن قوله يمدحه عليه الصلاة والسلام:
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خُلِقْتَ مبرءاً من كل عيب كأنك قد خُلِقْتَ كما تشاء
قال العباسُ عليه السلام : يا رسولَ اللهِ، إن أبا سفيان رَجُلٌ يُحِبُّ الفخر، فاجعل له شيئاً، قال : " نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أبى سُفيان، فهُوَ آمِنٌ، ومَنْ أغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَه، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرام، فَهُوَ آمن "، وأمر العباسَ أن يَحبِسَ أبا سفيان بمضيقِ الوادي عند خَطْمِ الجبلِ حتى تَمُرَّ به جنودُ الله، فيراها، ففعل، فمرَّتِ القبائلُ على راياتها، كلما مرَّتْ به قبيلةٌ قال : يا عباسُ؛ مَنْ هذه ؟ فأقول : سُليم، قال : فيقول : مالي ولِسُليم، ثم تمرُّ به القبيلة، فيقول : يا عباسُ؛ مَنْ هؤلاء ؟ فأقول : مُزَيْنَة، فيقول : مالى ولمُزَيْنَة، حتى نَفَدَتِ القبائلُ، ما تَمُرُّ به قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرتُه بهم قال : مالي ولبنى فلان، حتى مرَّ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في كتيبتِه الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرى منهم إلا الحَدَق مِن الحديد، قال : سبحان اللهِ يا عباس، مَنْ هؤلاء ؟ قال : قلتُ : هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال : ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة، ثم قال : واللهِ يا أبا الفضل؛ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابن أخيك الْيَوْمَ عظيماً، قال : قلتُ : يا أبا سفيان؛ إنها النُّبوة، قال : فنعم إذاً، قال : قلتُ : النَّجاء إلى قومك .وكانت رايةُ الأنصار مع سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - ، فلما مرَّ بأبي سفيان - رضي الله عنه - ، قال له : اليوم يوم الملحمة، اليومَ تُسْتَحَلُّ الحُرْمةُ، اليَوْمَ أذَلَّ اللهُ قُرَيْشَاً .
فلما حاذى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان، قال : يا رسول الله، ألم تسمعْ ما قال سعد ؟ قال : " وما قال ؟"، فقال : كذا وكذا، فقال عثمان وعبد الرحمن بن عَوْف : يا رسولَ الله؛ ما نأمنُ أنْ يكون له في قُريش صَوْلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بَلِ اليَوْمَ يَوْمٌ تُعَظَّمُ فيهِ الكَعْبَةُ، اليَوْمَ يَوْمٌ أَعَزَّ اللهُ فيه قُرَيْشاً " .
ومضى أبو سفيان حتى إذا جاء قُريشاً، صرخ بأعلى صوته : يا معشرَ قُريش؛ هذا محمد قد جاءكم فيما لا قِبَلَ لكم به، فمَنْ دخل دارَ أبى سفيان، فهو آمن، فقامت إليه هندُ بنتُ عتبة، فأخذت بشَاربه، فقالت : اقتلُوا الحَميت الدسم، الأحْمَشَ السَّاقين، قُبِّح مِن طَلِيعَةِ قوم، قال : ويلكم، لا تغرَّنَّكُم هذه مِن أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قِبَلَ لكم به، مَن دخل دار أبى سفيان، فهو آمن، ومَن دخل المسجد، فهو آمن، قالوا : قاتلكَ اللهُ، وما تُغنى عنا دارُك ؟ قال : ومَن أغلق عليه بابه، فهو آمن، ومَنْ دخل المسجد، فهو آمن، فتفرَّق الناسُ إلى دورهم وإلى المسجد.
د. صالح العطوان الحيالي"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

مثل ينطبق علي واقعنا(( ظل البيت لمطيره وطارت بيه فرد طيره )) // بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي الحيالي

وقاضي قضاة العشق قاتله الهوي/ بقلم الاستاذ توفيق محمد نظمي سرحان