د. صالح العطوان الحيالي الحيالي

عباقرة الحضارة الإسلامية ممن اثروا العالم بابتكاراتهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق- 21-5-2018
الإسلام دين عالمي يحض علي العلم ويعتبره فريضة علي كل مسلم. لتنهض أممه وشعوبه. ولم يكن في أي وقت مدعاة للتخلف كما يأفك الغرب .فأي علم مقبول إلا لوكان علما يخالف قواعد الإسلام ونواهيه . والإسلام يكرم العلماء ويحعلهم ورثة الأنبياء ويحضهم علي طلبه من المهد إلي اللحد. وتتميز الحضارة الإسلامية بالتوحيد والتنوع العرقي في الفنون والعلوم والعمارة طالما لاتخرج عن نطاق القواعد الإسلامية. لأن الإسلام لايعرف الكهنوت كما كانت تعرفه أوروبا. لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام. وكانت الفلسفة يخضعها الفلاسفة المسلمون للقواعد الأصولية مما أظهر علم الكلام الذي يعتبر علما في الإ لهيات. فترجمت أعمالها في أوروبا وكان له تأثيره في ظهور الفلسفة الحديثة وتحرير العلم من الكهنوت الكنسي فيما بعد. مما حقق لأوروبا ظهور عصر النهضة بها. فالنهضة الإسلامية جعلت من العرب والشعوب الإسلامية المتبدية يحملون المشاعل التنويرية للعالم في العصور الوسطي حتى أصبحوا فيها سادة العالم ومعلميه. فلقد حقق الفرس والمصريون والهنود والأتراك المسلمين حضارات لهم في ظلال الإسلام لم يسبق لهم تحقيقها خلال حضاراتهم التي سبقت الإسلام. فأثروا بعلومهم التي إكتسبوها الحضارة الإسلامية التي إزدهرت وتنوعت وتنامت. لهذا لما دخل الإسلام هذه الشعوب لم يضعها في بيات حضاري ولكنه أخذ بها ووضعها علي المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح بها أو كابح لها .وكانت مشاعل هذه الحضارة الفتية تبدد ظلمات الجهل وتنير للبشرية طريقها من خلال التمدن الإسلامي. فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا ز كانت أوروبا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في إظلام حضاري وجهل مطبق. وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع علي الغرب ونطرق أبوابه .فنهل منها معارفه وبهر بها لأصالتها المعرفية والعلمية. مما جعله يشعر بالدونية الحضارية. فثار علي الكهنوت الديني ووصاية الكنيسة وهيمنتها علي الفكر الإسلامي حتى لايشيع. لكن رغم هذا التعتيم زهت الحضارة الإسلامية وشاعت. وانبهر فلاسفة وعلماء أوروبا من هذا الغيث الحضاري الذي فاض عليهم. فثاروا علي الكنيسة وتمردوا عليها وقبضوا علي العلوم الإسلاميية من يقبض علي الجمر خشية هيمنة الكنيسة التي عقدت لهم محاكم التفتيش والإحراق .ولكن الفكر الإسلامي قد تمل منهم وأصبحت الكتب الإسلامية التراثية والتي خلفها عباقرة الحضارة الإسلامية فكرا شائعا ومبهرا. فتغيرت أفكار الغرب وغيرت الكنيسة من فكرها مبادئها المسيحية لتسايرالتأثير الإسلامي علي الفكر الأوربي وللتصدي للعلمانيين الذين تخلوا عن الفكر الكنسي وعارضوه وانتقدوه علا نية. وظهرت المدارس الفلسفية الحديثة في عصر النهضة أو التنوير بأوروبا كصدي لأفكار الفلاسفة العرب. ظهرت مدن تاريخية في ظلال الحكم الإسلامي كالكوفة والبصرة وبغداد ودمشق والقاهرة والفسطاط والعسكر والقطائع والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وغيرها. كما خلفت الحضارة الإسلامية مدنا متحفية تعبر عن العمارة الإسلامية كإستانبول بمساجدها والقاهرة بعمائرها الإسلامية وبخاري وسمرقند ودلهي وحيدر أباد وقندهار وبلخ وترمذ وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية ومرسية وسراييفو وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن الإسلامية.
العلم والفنون في الحضارة الإسلامية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خلال قرني من وفاة الرسول كانت صناعة الكتب منتشرة في كل أنحاء العالم الإسلامي وكانت الحضارة الإسلامبة تدور حول الكتب .فقد كانت توجد المكتبات الملكية والعامة والخاصة في كل مكان حيث كانت تجارة الكتب ومهنة النساخة رائجة وكان يقتنيها كل طبقات المجتمع الإسلامي الذين كانوا يقبلون عليها إقبالا منقطع النظير .وكان سبب هذا الرواج صناعة الورق ببغداد وسمرقند .وكانت المكتبات تتيح فرص الإستعارة الخارجية .وكانت منتشرة في كل الولايات والمدن الإسلامية بالقاهرة وحلب وإيران ووسط آسيا وبلاد الرافدين والأندلس وشمال أفريقيا .وكانت شبكات المكتبات قد وصلت في كل مكان بالعالم الإسلامي. وكان الكتاب الذي يصدر في يغداد أو دمشق تحمله القوافل التجارية فوق الجمال ليصل لقرطبة بأسبانيا في غضون شهر. وهذا الرواج قد حقق الوحدة الثقافية وإنتشار اللغة العربية. وكانت هي اللغة العلمية والثقاقية في شتي الديار الإسلامية. كما كان يعني بالنسخ والورق والتجليد. مما ماجعل صناعة الكتب صناعة مزدهرة في العالم الإسلامي لإقبال القراء والدارسين عليها وإقتنائها .وكانت هذه الكتب تتناول شتي فروع المعرفة والخط وعلوم القرآن وتفاسيره واللغة العربية والشعروالرحلات والسير والتراث والمصاحف وغيرها من آلاف عناوين الكتب. وهذه النهضة الثقافية كانت كافية لإزدهار الفكر العربي وتميزه وتطوره .وفي غرب أفريقيا في مملكتي مالي وتمبكتو أثناء إزدهارهما في عصريهما الذهبي، كانت الكتب العربية لها قيمتها. وكان من بينها الكتب النادرة التي كانت تنسخ بالعربية، وكانت المملكتان قد أقامتا المكتبات العامة مع المكتبات الخاصة
أشرقت شمس الإسلام وسطع نوره على وجه الأرض، وبدأ يطلق أسس ومبادئ رسالته العظيمة السمحة التي ترفع الإنسان وتجعله يتعالى في درجات الكمال أو يبلغ درجة العُلا في سلّم التطور، لقد حث الإسلام على العلم والمعرفة، لما لهما من شرف المكانة وعظيم المنـزلة، ورغّب فيهما وشجّع على سلوك سبيلهما، وبفضل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي بعثت في النفوس الرغبة في نيل العلم، تأسست مدنية إسلامية خلال عامي (800-1500) متطورة في جميع الميادين، فراح باحثون وعلماء غربيون يتدفقون إلى المراكز العلمية في العالم الإسلامي لكي ينهلوا العلوم من أصحابها، وما لبث أن قاموا بترجمة مؤلفات علماء مسلمين، مما جعلهم يشتهرون في العالم الغربي كمكتشفين ومخترعين، وذلك لعدم حياد الغرب ثم لقيام بعض الفئات في البلاد الإسلامية بستر هذه الحقائق وإخفائها، فقد نسب الكثير من مكتشفات علماء الإسلام ومخترعاتهم إلى علماء الغرب، وأُشيع بأن "الإسلام يمنع التقدم" كحرب نفسية ضد المسلمين، وكما سنبيّن فإن الفضل في العديد من المكتشفات والمخترعات يعود إلى علماء المسلمين.
الطائرة والطيران
ـــــــــــــــــــــــــ من المعروف أن إخوان "رايت" استطاعا عام 1903 تحقيق حلم الإنسان في الطيران، بينما حدثت التجربة الأولى في الطيران - في الحقيقة- في الأندلس في عام 880م، من قبل العالم الأندلسي المسلم "عباس بن فرناس" الذي صنع آلة تشبه طائرة دون محرك، حيث أضاف إليها ريش الطير وغطاها بقماش، ويشير بعض المؤرخين الغربيين من أمثال البروفيسور الدكتور "فيليب حتي" والدكتور "سيجرد هونكه" إلى تجربة الطيران هذه، ويعدون تلك الآلة أول آلة طيران.
النظم الآلية البخارية
ــــــــــــــــــــــــــــ تشير العديد من المصادر إلى أن أول منظومة آلية بخارية اخترعت من قبل المهندس الإرلندي "جيمس واط" (1736-1819). بينما نرى أن "الجزري" رسم قبل 600 سنة في كتاب له، ما يشبه جهازا بخاريا آليا (أوتوماتيكيا)، حيث استعمل الجزري في رسمه هذا ولأول مرة، الصمام الذي يعد عنصرا لا يستغنى عنه في أي وسيلة نقل يستخدم المحرك ويستعمل البخار أو البترول.
الغواصة الأولى
ــــــــــــــــــــــــ من الشائع أن فكرة صنع وسيلة نقل تسير تحت الماء، تعود إلى "ليوناردو دافنشي" (1412-1519). وفي سنة 1620 حاول العالم الفيزيائي الهولندي "درابل" وكذلك حاول العالم الفيزيائي الفرنسي عام 1653 في تحقيق هذا الأمل، إلا أنهما فشلا، ومن المعروف أن أول غواصة تم صنعها من قبل العالم الأمريكي "ديفيد بوشْنَل" عام 1776، والواقع أن "إبراهيم أفندي" قام عام 1719، بصنع أول غواصة مصنوعة من الفولاذ تستطيع حمل الإنسان، واشترك هذا العالم بغواصته هذه في الأفراح التي أقيمت آنذاك بمناسبة ختان أحد الأمراء في إسطنبول.
كروية الأرض ودورانها حول الشمس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قام العالم المسلم "البيروني" (973-1048) الذي قرأ الكائنات في ضوء الآيات القرآنية، بتقديم حساباته العلمية إلى عالم العلم حول كروية الأرض ودورانها حول الشمس قبل "كوبرنيكوس" بخمسمائة عام، ولكن شبابنا لا يعرف هذا، لأن كوبرنيكوس قُدّم إليهم على أنه هو المكتشف الأول في هذا الموضوع.
الدورة الدموية
ــــــــــــــــــــ الشائع في أيامنا الحالية أن "ميشيل سيرفيتوس" هو الذي اكتشف الدورة الدموية في القرن السادس عشر، بينما كان الطبيب المسلم "ابن النفيس" (1208-1288) قد رسم في كتابه منظومة الأوعية الدموية وأقسام القلب وحجراته بالتفصيل، وسرد وقدم المعلومات حول الدورة الدموية الصغرى والدورة الدموية الكبرى كلا على حدة.
عملية التخدير الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل إن "جونكن" قام عام 1850 بأول عملية تخدير، ولكن الحقيقة أن عملية التخدير قد اكتُشفت وطبّقت من قبل العالم المسلم "ابن قرّة" (835-902). ولهذا العالم الذي ولد في بغداد بحوث عديدة ومهمة في الطب وعلم الفلك وعلم الميكانيكا.
الذرة
ــــــــــ الشائع حاليا أن البحوث المتعلقة بالذرة بدأت من قبل العالم البريطاني "جون دالتون" (1766-1844). وأن فكرة إمكانية تجزئة نواة اليورانيوم طُرحت من قبل العالم الفيزيائي الألماني "أوتوهان" (1779-1868). ولكن الحقيقة هي أن العالم المسلم "جابر بن حيان" (721-815) الذي كان رئيس جامعة "حران" التي كانت تُعد من أكبر المراكز العلمية، سجل في كتاب له معلومات لا تزال تدهش رجال العلم الحاليين، فقد قال: "إن أصغر جزء من المادة وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة) يحتوي على طاقة كثيفة. وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى، بل يمكن أن يتجزأ، وأن هذه الطاقة التي تنطلق من عملية التجزئ هذه، يمكن أن تقلب مدينة بغداد عاليها سافلها. وهذه علامة من علامات قدرة الله تعالى".
مرض السل وعلاجه
ـــــــــــــــــــــــــــ حتى خمسين سنة الماضية لم يكن يعرف علاج مرض السل الذي أودى بحياة العديد من الناس. والشائع أن العالم الألماني "روبرت كوخ" (1834-1910) هو الذي اكتشف جرثومة السل وطرق علاج هذا المرض، ونظرا لهذا الاكتشاف المهم فقد نال هذا العالم جائزة نوبل في الطب عام 1905، ولكن الحقيقة أن العالم العثماني "عباس وسيم بن عبد الرحمن" (تـ 1761) كانت له بحوث مهمة حول الجرثومة التي تسبب هذا المرض وحول طرق انتقاله وطرق علاجه. وأثارت بحوثه هذه اهتماما كبيرا في أوروبا، وكان العلماء الأجانب يزورونه من حين لآخر.
عملية إزالة عتمة عدسة العين (Cataract)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشائع أن "بلانكت" هو أول من قام بعملية لإزالة عتمة عدسة العين في عام 1846، ويشير القرآن الكريم إلى قصة يعقوب عليه السلام عندما ابيضت عيناه حزنا على يوسف عليه السلام. وأن عينيه رجعتا طبيعية بعد أن ألقوا على وجهه قميص يوسف عليه السلام، وانطلاقا من هذه القصة خطر على بال العالم المسلم "أبي القاسم عمار بن علي الموصلي" (950-1010) الذي عاش في العراق وفي مصر، إماكنية إجراء عملية للعين وعلاجها من هذا المرض، فكتابه "كتاب المُنتخب" الذي خصصه لأمراض العين، أصبح أفضل مرجع في طب العيون في الغرب حتى القرن الثامن عشر، فإلى جانب الطرق العديدة في معالجة أمراض العيون، فقد قام بعملية لإزالة عتمة عدسة العين باستعمال أنبوب مجوف.
وكما جاء أعلاه فإن المسلمين ساهموا في إثراء العلوم التي تعد ميراثا للإنسانية ولاسيما في المدة المحصورة بين القرن الثامن والقرن السادس عشر، وقد أشار الكثير من المختصين بتاريخ العلوم من المنصفين في الغرب أمثال "جركو ساتون" وبشكل مفصل، إلى إسهام هؤلاء العلماء المسلمين في مجال العلم، حيث يذكرون في كتبهم بأن "ثابت بن قره" هو أقليدس المسلمين، وأن الخوارزمي سبق في علم الجبر أقليدس بألف عام، ويقولون عن جابر بن حيان بأنه مؤسس علم الكيمياء الحديث، وأن ابن الهيثم مؤسس علم البصريات ومؤسس علم الفيزياء التجريبـي، أما ابن سينا فهو عندهم أستاذ الأطباء، و"الجزري" هو مؤسس الهندسة الحديثة ومؤسس السيطرة الآلية. أما "أولوغ بك" فهو عندهم عالم الفلك في القرن الخامس عشر، والمعمار العثماني "سنان" فيعدونه رئيس المهندسين والمعماريين، و"بيري رئيس" أعظم بحار في العالم، ويقولون عن الرازي بأنه العالم الكيميائي الذي درّس الغرب. كما استعملوا أوصافا جميلة أخرى حول العلماء الآخرين. وفي عام 1950 قرر اتحاد هيئة علماء الفلك إطلاق أسماء العلماء الذين ساهموا في إغناء العلم على فوهات براكين القمر. فكان من بين هؤلاء العلماء؛ ثابت بن قرّه، أبو الوفا، ألوغ بك، علي كوشجو، جابر بن حيان، ابن الهيثم، البيروني، ابن سينا، ناصر الدين الطوسي، البطّاني، الفرغني، البيتروجي، الزرقاوي والصوفي.
لقد أوردنا أعلاه بعض المكتشفات والمخترعات لبعض العلماء المسلمين قبل مئات الأعوام، ولا يُذكر هؤلاء العلماء ومكتشفاتهم في أغلب الكتب والمؤلفات، بل تُقدم على أنها مكتشفات علماء الغرب، وعندما نرى اليوم بعض شبابنا يحصلون على نجاحات كبيرة في المباريات العلمية العالمية، نزداد إيمانا بأنه عندما تُقدم لهم الإمكانات، فإنهم سيساهمون في التطور كأجدادهم الأجلاء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

مثل ينطبق علي واقعنا(( ظل البيت لمطيره وطارت بيه فرد طيره )) // بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي الحيالي

وقاضي قضاة العشق قاتله الهوي/ بقلم الاستاذ توفيق محمد نظمي سرحان