دولة الإسلام.... دولة العدل/ د. صالح العطوان الحيالي الحيالي

"دولة الإسلام.. دولة العدل "
ــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 22-5-2018
إن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها،الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة"
ولما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تقوم الساعة والروم أكثر الناس. قال له عمرو: أبصر ما تقول؟ فقال المستورد: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرو: لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم.
فكأنَّ عمراً رضي الله عنه يحكم بأن هذه الخصال هي السبب في بقائهم وكثرتهم، وفي المقابل يكون الظلم وتضييع الأمانة وإهدار الحقوق هي معالم الخراب والهزيمة، وهذا أصل مقرر في علم الاجتماع، وقد عقد له ابن خلدون في مقدمته فصلا بعنوان: (الظلم مؤذن بخراب العمران). والمقصود أن الأمم الكافرة إن توفرت على معالم قيام الدول ونهضتها أقامها الله وجازاها بجنس عملها، ولا يظلم ربك أحدا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم. فالله تعالى يعطيهم في الدنيا ما يستحقونه باعتبار ما عندهم من خير وما يبذلونه من حق.فهذا جانب، وهناك جانب آخر لا يصح إغفاله في هذه القضية، وهو أن الله تعالى قد ينصر أمة كافرة على أمة مسلمة؛ عقوبة لها على معاصيها، وشاهد هذا ما حصل في غزوة أحد، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ {آل عمران: 152}.
وقد ذكر ابن كثير في حوادث سنة خمس عشرة وستمائة أن المعظم أعاد ضمان القيان والخمور والمغنيات وغير ذلك من الفواحش والمنكرات التي كان أبوه قد أبطلها، بحيث إنه لم يكن أحد يتجاسر أن ينقل ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية، فجزى الله العادل خيرا، ولا جزى المعظم خيرا على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الأموال على الجند واحتياجهم إلى النفقات في قتال الفرنج. ثم علق ابن كثير على ذلك فقال: وهذا من جهله وقلة دينه وعدم معرفته بالأمور؛ فإن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء ويثبط الجند عن القتال فيولون بسببه الأدبار، وهذا مما يدمر ويخرب الديار ويديل الدول، كما في الأثر: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني. وهذا ظاهر لا يخفى على فطن
وقال الدكتور/ ربيع بن محمد بن علي في كتابه (الغارة على العالم الإسلامي): الأمة الواعية كذلك هي التي تدرك أنها بتجرئها على المعاصي وابتعادها عن منهج إسلامها وشريعة خالقها، تجلب عليها سخط الله الذي قد يتسبب في أن يبعث عليها من يسومها- بسبب معاصيها- سوء العذاب، وفي الأثر أن بعض أنبياء بني إسرائيل نظر إلى ما يصنع بهم بختنصر من إذلال وقهر وإبادة وقتل وتشريد فقال: (بما كسبَتْ أيدينا سلطتَ علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا). وذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض أنه قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه: (إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني)
" أيها الناس: إنه والله ما فيكم أحدٌ أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف عندي من القويّ حتى آخذ الحقّ منه!" كانت هذه المختصرة ذات المعنى الكبير وقد تلاها التطبيق لها والالتزام بها حتى النفس الأخير، هي أول خطبة لعمر الفاروق (رضي الله عنه) أو من أوائل خطبه، وبذلك عرف بالخليفة العادل، وقامت دولة العدل، دولة الإسلام العظيمة؛ لتتسع وتمتد من أقصى شرق الأرض إلى أقصى غربها.. تحت حكومةٍ واحدة وخليفةٍ حاكمٍ واحد، يُمضي حكم الله تعالى في الأرض ويحاسب ولاته بل عمّاله، مهما نأت بهم الديار أو بعدت الأفاق والأمصار.. بينما دِرّته كفيلة بأن تقرع أيّما رأسٍ فيهم مال عن جادة الحق أو حاد عن الصواب، ولو كان سعداً بن أبي وقاص خال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبطل القادسية لما أقبل يزاحم الناس ليصل إلى أمير المؤمنين بينما هو يقسم بين المسلمين مالاً؛ فضربه بالدرة وقال: إنك أقبلت لأنك لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأردت أن أُعلّمك أنّ سلطان الله لا يهابك! أو سواءً كان عمرو بن العاص فاتح مصر لما ضرب ابنه الرجل المصريّ الذي سبقه في الطراد قائلا له: أتسبق ابن الأكرمين؟ فاستحضرهم الخليفة العادل جميعاً، واستقاد للمصريّ من ضاربه، وقرع عَمراً وهو يقول له:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحراراً؟" وكان يقول:" من استعمل رجلاً لمودةٍ أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" إنّ سيرة عمر العادل ومشاهد عدله أكبر وأكثر من أن تساق في مقال محدود السعة والسطور، وأكتفي هنا بأن أذكر ثلاثة مشاهد مما كان يأخذ به نفسه وأسرته من الشدة والصرامة؛ بحيث لا يؤثرهما بطعامٍ أو ملبسٍ دون سائر المسلمين، ولا يقبل لأحدٍ من أبنائه تميّزاً في تجارةٍ أو حدٍّ من حدود الله يحابَى به لقرابته من أمير المؤمنين.. من ذلك أنه لما أصاب المسلمين الشدة في عام الرمادة، حرم على نفسه اللحم والسمن واللبن وفرض عليها الزيت يأكله مصبحاً وممسياً ومعه شيءٌ من الخبز، ولما أحسّ حرّ هذا الزيت قال لمولاه: اكسر عني حره بالنار، فطبخ له الزيت فكان أشدّّ عليه، حتى كان بطنه يتقرقر فكان ينقره بإصبعه ويقول: قرقرْ ما تقرقر فليس لك عندنا إلا الزيت حتى يحيا الناس! ورأى يوما في أيدي بعض ولده حلوى فسأل عنها فقالت زوجه: كنت أوفر بعض الدقيق حتى اشتريت به هذه الحلوى.. فقال: ما دام الذي توفرينه يزيد عن حاجتنا فبيت مال المسلمين أولى به، وأنقص من حصتهم في الدقيق بمثل ما كانت توفره! ومن الأمثلة على عدم قبوله المحاباة لبنيه أنه كان لابنه عبد الله بعض الإبل فلاحظ عليها بعض السمنة، فعلم أنها تغشى مراعي الناس فيعتنون بها ولا يردونها دون إبلهم حتى سمنت، فأمر بردها إلى بيت المال! وذكر أنّ ابنه عبد الرحمن الأوسط كان بمصر فشرب الخمر مع صاحبٍ له، ثم ندما فجاءا إلى عمرو بن العاص يطلبان إليه أن يطهرهما بإقامة الحد عليهما، وكره عمرو أن يقيم الحد على ابن أمير المؤمنين بمشهد من الناس، فضربه في صحن داره، وبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمرو يعنّفه أشدّ التعنيف، ويأمره أن يرسل إليه ابنه على قتب، وهو الرحل الصغير؛ ليكون السفر أشقّ عليه! حتى إذا جيء به مريضاً مكدوداً أقام عليه الحدّ بمحضر من جماعة المسلمين!
رسخ الإسلام مبادئه العادلة منذ أن بدأ وأنزل الله {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}[النساء:58]، ثم أنزل {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُ‌ونَ}[المائدة:44] أي أن ما أنزل الله هو العدل والحق ولننظر كيف كان النظام الإسلامي في العدل ونقارنه مع باقي النظم الأخرى بالتفصيل.
أولًا: براعة النظام الإسلامي في إقامة العدل في المواريث:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أقيمت ندوة بالولايات المتحدة للتحدث عن مشكلة المواريث بالدولة حيث إن الدولة بها 18 ألف صفحة تتحدث عن قانون الميراث ولايزال الموضوع هناك يسبب مشكلة كبيرة.. حينها قال الدكتور زغلول النجار لرجل يهودي يشارك بالمؤتمر: نحن عندنا لا توجد مشكلة في المواريث.
فقال الرجل ساخرًا: الولايات المتحدة -وهى دولة متقدمة- بها 18 ألف صفحة عن ذلك الموضوع ولم تحل المشكلة.. أعندكم حل في بلادكم المتخلفة؟
قال د.زغلول: نعم، وفي سطور بسيطة أيضًا، فقال الرجل: ائتنى بها
فقرأ د. زغلول السطور من القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة النساء: {لِّلرِّ‌جَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَ‌كَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَ‌بُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَ‌كَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَ‌بُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ‌ نَصِيبًا مَّفْرُ‌وضًا}[النساء:7].
وقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ‌ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَ‌كَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَ‌كَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِ‌ثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُ‌ونَ أَيُّهُمْ أَقْرَ‌بُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِ‌يضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١) ولَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَ‌كَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّ‌بُعُ مِمَّا تَرَ‌كْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّ‌بُعُ مِمَّا تَرَ‌كْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَ‌كْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَ‌جُلٌ يُورَ‌ثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَ‌أَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ‌ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَ‌كَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ‌ مُضَارٍّ‌ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ}[النساء:11،12]
وقال تعالى في آخر السورة: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُ‌ؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَ‌كَ وَهُوَ يَرِ‌ثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَ‌كَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّ‌جَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ‌ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النساء:176].
فأسلم الرجل اليهودي لما عرف من الحق والعدل وقال: لم أرَ كلمات جامعات لكل الصلات العائلية كهذه.
ثانيًا: إعطاء المرأة حقوقها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ لكل من يدعون أن الغرب هم من حرروا المرأة وأعادوا لها كرامتها. أين الكرامة عندما تستعمل المرأة "مانيكان" في الإعلانات ويكون كل وظيفتها جذب الناس بجسدها؟! أتلك هى الكرامة؟
إنَّ الكرامة التي أعطاها الإسلام للمرأة هي أكبر بكثير مما يظن أي أحد؛ فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال بها وقال: "اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم" ، وقيل عن النساء: ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم. هذا غير أنه أنعم عليها بأن خلصها من عادات الجاهلية بوأد البنات صغارًا وحماهن بالحجاب من أن يكُنَّ سلعة يتاجر بها كما في الدول الغربية، كما لم يمنعهن من العمل إلا في منصب الرئاسة فقط لأنهن خلقن من ضلع أعوج وهو ما يفسره لنا الشيخ الشعراوي بأن المقصود هنا بالضلع الأعوج أن الحنان يغلب على تصرفاتها أكثر من العقل حيث إن الضلوع التي خلقها الله في صدر الإنسان لولا وجود غضاريف بينها ما استطاع الإنسان أن يتمايل ويتحرك لأنها ستصبح جامدة يستحيل معها الحركة وهذا هو المقصود من الكلام.. أن المرأة هي التي تحنو على كل من حولها فتستقبلهم وتتحرك معهم ولولاها لانكسر الإنسان ولم يستطع التمتع بالحركة ولهذا خلقت المرأة، خلقت للحنان وعمل توازن في البشرية بين القلب المتمثل فيها والعقل المتمثل في الرجل.. فنقص العقل لديها ليس عيبًا وليس تفضيلا للرجل.. الرجل أيضا ناقص.. ولكن في القلب والحنان.
ثالثًا: نظام الإسلام في التعايش بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نجد أن الإسلام هو أكثر ديانة تسامحت مع باقي الأديان، ولمن يقول إن الجزية هي ظلم فنقول له هذه الجزية ليست ضريبة ولا ظلمًا على عدم دخول أحدهم في الإسلام، بل هي مقابل زهيد جدا عن دفاع المسلمين عنهم بسبب عدم مشاركتهم في الجيش، وأنا أرى سقوط الجزية في أيامنا هذه لأنهم أصبحوا يشاركون في الجيش وفي حماية البلاد.
والإسلام قد خص النصارى بالمعاملة الحسنة وأوصانا الله بهم كثيرًا إذ قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَ‌كُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَ‌بَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَ‌ىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُ‌هْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُ‌ونَوَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّ‌سُولِ تَرَ‌ىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَ‌فُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَ‌بَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَ‌بُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}[المائدة:82 – 84]، وقال سبحانه: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ وَيَأْمُرُ‌ونَ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ وَيُسَارِ‌عُونَ فِي الْخَيْرَ‌اتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ‌ فَلَن يُكْفَرُ‌وهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}[آل عمران:113 – 115]، وأوصانا بقول المعروف لهم في قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]، كما قال إنه سيفصل بينهم يوم القيامة بالحق في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَ‌ىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَ‌كُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[الحج:17] كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى خيرًا بالذات في أقباط مصر.
رابعًا: عبقرية النظام الإسلامى في العدل الاقتصادي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يقول د. مصطفى محمود في كتابه سقوط اليسار: "لقد تحول التيار السياسي في العالم كله وسقط الفكر الماركسي حتى في بلاده وتراجع اليسار في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وفقد أكثر مقاعده في هذه الدول وفقد سمعته وفقد شرفه، واليسار المصري مجرد أعمدة في الصحف وشعارات ولافتات وصيحات ولكن في لحظة الامتحان لا يجد له رصيدًا شعبيًّا ولا سندًا جماهيريًّا وهو مجرد بقية مما ترك عبد الناصر وقد جاء وقت المواجهة ولا مهرب.. مواجهة الفكر بالفكر.. مواجهة الأكاذيب بالإحصاءات والأرقام الدقيقة.. مواجهة التزييف بالوقائع وبالتاريخ الثابت" ويتكلم هنا عن الفكر الماركسي أو الشيوعي أو الاشتراكي الذي أثبت فشله في إقامة العدل بين الأغنياء والفقراء أو حتى في إقامة دولة ولذلك سقط.. وكذلك النظام الرأسمالي الربوي الفاشل الذي تسبب في تقدم أمريكا تقدمًا مقنعًا حيث سيطرت فئة واحدة على مقاليد الأمور في البلاد وشكلت "لوبي" أقوى من الحكومة نفسها في حين وجود الملايين في أمريكا القوى العظمى، الملايين تحت خط الفقر كأي دولة متخلفة وكذلك في أوروبا وباقي الدول التي يقال عنها "دول العالم الأول" نجد الفقراء والشحاذين في الشارع كأي دولة ممن يسمونهم دول العالم الثالث.. وهنا تتجلى عبقرية الإسلام في إقامة العدل في النظام الاقتصادي حيث يذكر ويحفر ويسجل التاريخ أن الدولتين الوحيدتين اللتين لم يظهر فيهما الفقر هما: الدولة الأموية في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، ودولة الأندلس في عصر أحد خلفائها العظماء وهو عبد الرحمن الناصر لدين الله وتتعالى الأصوات في الدول الغربية الآن لتطبيق النظام الإسلامي في الاقتصاد لأنه هو الوحيد الذي يمكنه تطبيق العدل ولو آتى كل مسلم زكاته ماكان هناك وجود للفقراء في أي بلد إسلامي بعيدًا عن وجود نهضة صناعية في البلاد ولنا في عصر عمر بن عبد العزيز أسوة وقدوة حيث تحولت البلاد في عام واحد من بلاد بها فقراء لبلاد لا تجد أين تصرف نقودها وحينئذ قال مقولته الشهيرة: "انثروا الحبوب على رءوس الجبال حتى لا يقال إن هناك طيرا جاع في بلاد المسلمين" وقيل إنه من شدة العدل كانت الذئاب ترعى مع الغنم حتى إذا مات عمر هاجم الذئب الغنم فعرف الراعي أن عمر قد مات.
ويضرب لنا الله أمثالًا كثيرة أخرى في النظام الاقتصادي والعدل في إقامة الموازين والمكاييل وكفي لنا إقامة للعدل قوله: {ويل للمطففين}[المطففين:1]
خامسًا: عبقرية النظام الاجتماعي في الدولة الإسلامية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ" كما قال:" النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ، وَالْمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ، وَلا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لا يَرَى لَكَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ" وقال: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى" .
ومن أروع قصص العدل بين كل الناس أبيضهم وأسودهم أنه اجتمع الصحابة في مجلس لم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام فجلس خالد بن الوليد، وجلس ابن عوف، وجلس بلال، وجلس أبو ذر، وكان أبو ذر فيه حدة.. فتكلم الناس في أمر ما.. فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح: أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا، فقال بلال: لا .. هذا الاقتراح خطأ، فقال أبو ذر: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني! فقام بلال مدهوشًا غضبان أسفًا.. وقال: والله لأرفعنك لرسول الله عليه الصلاة والسلام. واندفع ماضيًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصل بلال للرسول عليه الصلاة والسلام.. وقال: يارسول الله.. أما سمعت أبا ذر ماذا يقول في؟
قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك؟؟ قال بلال: يقول كذا وكذا ... فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم.. وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر.. فاندفع مسرعًا إلى المسجد فقال: يا رسول الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قال عليه الصلاة والسلام: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية.
فبكى أبو ذر.. وأتى الرسول عليه السلام وجلس.. وقال يا رسول الله استغفر لي.. سل الله لي المغفرة.
ثم خرج باكيًا من المسجد..
وأقبل بلال ماشيًا.. فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب وقال: والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك، أنت الكريم وأنا المهان. فأخذ بلال يبكي.. واقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا.
ونعرف جميعًا أن الإمام العادل جعله الله ممن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن الإسلام أوصانا بإقامة العدل ولو على رءوس آبائنا أو إخواننا.
وهناك الكثير والكثير، والآن أيهما أفضل: ليبرالية جون لوك.. أم شيوعية كارل ماركس ولينين وستالين.. أم إسلام محمد النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام أبى ذر وبلال وإسلام العمرين (بن الخطاب وبن عبد العزيز)؟ ......

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

مثل ينطبق علي واقعنا(( ظل البيت لمطيره وطارت بيه فرد طيره )) // بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي الحيالي

وقاضي قضاة العشق قاتله الهوي/ بقلم الاستاذ توفيق محمد نظمي سرحان