دور الجغرافيا في الحضارة الإسلامية

دور الجغرافيا في الحضارة الإسلامية
ــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 28-5-2018
ظهرت الجغرافيا منذ القدم مع الحضارات العريقة مثل الحضارة الإغريقية، والحضارة المصرية، والحضارة البابلية والحضارة الآشورية، وترجع كلمة جغرافيا في أصلها إلى الكلمة الإغريقية جيوجرافيكا (بالإنجليزية: Geographica)، وهي كلمة مكونة من مقطعين هما جيو (بالإنجليزية: Geo) والتي تعني الأرض، وجرافيكا (بالإنجليزية: Graphica) والتي تعني الرسم، أو التصوير، أو الوصف، وعليها فإن جغرافيا تعني العلم الذي يصف الأرض. ويُعرف علم الجغرافيا بأنه العلم الذي يهتم بدراسة مدى تأثير الإنسان في البيئة المحيطة والعكس، وذلك لأن كلاً منهما يؤثر في الآخر تأثيراً كبيراً. أما دراسة البيئة فتشتمل على دراسة سطح الأرض، والغلاف الجوي، والغلاف الصخري، والغلاف الحيوي بما فيه من بحار ومحيطات، بالإضافة إلى دراسة النظم الإيكولوجية، في حين إن دراسة الإنسان تشتمل على نشاطه، وأنماط توزيع السكان على سطح الأرض، وأسباب هذا التوزيع ومظاهره، بالإضافة إلى مدى توفر الموارد واستخداماتها، واستخدام الأراضي، ودراسة الصناعات أيضاً
تعريفات علم الجغرافيا
ــــــــــــــــــــــــــ يوجد لعلم الجغرافيا تعريفاتٌ عديدة، وبالرغم من أن علم الجغرافيا عُرف منذ القدم إلّا أنه يوجد نوع من الجدل حول تعريفه حيث تختلف آراء العلماء والباحثين فيه؛ ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى كون علم الجغرافيا يرتبط بالعلوم الأخرى، وله خصوصيته حيث إنه علم يهتم بالإنسان وما حوله، بالإضافة إلى أن لعلم الجغرافيا اهتماماته الظرفية والمستقبلية. وفيما يأتي عدة تعريفات لعلم الجغرافيا الجغرافيا عند الإغريق:
ــــــــــــــــــــــــــ هي العلم الذي يصف الأرض.
الجغرافيا في معاجم اللغة العربية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ورد علم الجغرافيا في معاجم اللغة العربية على أنه العلم الذي يهتم بدراسة مظاهر سطح الأرض الطبيعية، وهو العلم الذي يهتم بتوزيع الحياة النباتية، والحيوانية، والبشرية، كما أنه العلم الذي يدرس النشاط الإنساني وأثره على الأرض، ويكون ميدان الدراسة في علم الجغرافيا الطبقة العليا من القشرة الأرضية، والطبقة السفلية من الجو
الجغرافيا في معجم lande Andrela:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ هي عبارة عن علم يصف سطح الأرض ويفسّر الظواهر الطبيعية، والاقتصادية، والسياسية التي تحدث على سطح الأرض، كما يحلل علاقة هذه الظواهر مع بعضها البعض وعلاقتها بالمكان الذي تحدث فيه.
الجغرافيا في الموسوعة البريطانية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هي العلم الذي يربط بين علوم الأرض المختلفة والعلوم الإنسانية، كما أنها العلم الذي يحلل الظواهر الطبيعية والبشرية، وأي تغيراتٍ تحدث على سطح الأرض، ويمكن القول إن علم الجغرافيا كما ورد في الموسوعة البريطانية هو العلم الذي يدرس التفاعل بين الإنسان والبيئة في موقعٍ جغرافي معين. الجغرافيا عند هارتشون: عرّف هارتشون الجغرافيا بأنها علم التباين الأرضي الذي يتعلق بتوزيع الظواهر الطبيعية والبشرية على سطح الأرض وتحليلها. الجغرافيا في معجم لاروس
ـــــــــــــــــــــ : وردت الجغرافيا في معجم لاروس (بالإنجليزية: Larousse) بأنها كلمة يونانية الأصل مكونة من كلمتين هما جيو (باليونانية: géo) والتي تعني الأرض، وجرافي (باليونانية: graphie) وتعني وصف، وبالتالي فإن كلمة جغرافيا تعبر عن العلم الذي يصف الظواهر الطبيعية الحاصلة على سطح الأرض ويفسرها.
الجغرافيا عند الجغرافي Pierre George:
ـــــــــــــــــــــــــــــ هي عبارة عن علم يدرس العلاقات باتباع منهج فكري يبدأ من الوصف ليصل منه إلى التفسير مروراً بثلاث محطات أساسية وهي الملاحظة التحليلية، واستكشاف الارتباطات، والبحث عن الأسباب والمسببات.
الجغرافيا عند Paul Claval:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ حيث يقول في الجغرافيا إنها العلم الذي لا يهتم فقط بأن يصف الكون أو يفسر كيفية توزيع السكان على سطح الأرض، وإنما هي العلم الذي يبحث في كيفية إدراك البشرية لوجودهم على الأرض، وكيفية تأثرهم وتأثيرهم في المحيط الذي يعيشون فيه.
الجغرافيا في تعريف اليونسكو
ــــــــــــــــــــــ: عرّفت اليونسكو الجغرافيا بأنها العلم الذي لا يقتصر فقط على معرفة العلاقة بين الإنسان وبيئته، وإنما تتعدّاه إلى التّفسير والتّحليل لمختلف الأنماط التفاعلية بين الإنسان والبيئة المحيطة
الجغرافيا وفن رسم الخرائط في العصر الإسلامي يشير إلى مرحلة نهوض رسم الخرائط والجغرافيا وعلوم الأرض في الحضارة الإسلامية خلال فترة القرون الوسطى منذ الخلافة العباسية وحتى الخلافة العثمانية. ففي فترة العصور الوسطى، تطورت الجغرافيا الإسلامية بسبب عوامل عديدة، منها: بزوغ العصر الذهبي الإسلامي، بالتوازي مع تطوير علم الفلك الإسلامي، وترجمة النصوص القديمة، لا سيما الهلنستية، إلى اللغة العربية، وذلك بسبب انتشار السفر إما للتجارة أو للحج بالإضافة للاكتشافات الكبرى في الجغرافية وبسبب الثورة الزراعية.
كانت بدايات تطور علوم الجغرافيا الإسلامية في القرن الثامن الميلادي برعاية حكام الخلافة العباسية في بغداد. وساهم العديد من العلماء في تطورها وتنميتها. من أشهر علمائها الخوارزمي، أبو زيد البلخي (مؤسس المدرسة البلخية)، البيروني وابن سينا. بلغت الجغرافيا الإسلامية أوجها خلال محمد الإدريسي في القرن الثاني عشر. وتابع تطورها لاحق تحت حكم الأتراك والفرس ، وخصوصا خلال الدولة العثمانية والإمبراطورية الصفوية، ومن أشهر علمائهم محمود الكاشغري وبيري رئيس.
كان لدى المسلمين من الشغف الذي جعلهم يخرجون من بلادهم لاستكشاف العالم، وقد حثهم على ذلك أيضاً الدين الإسلامي وسعيهم للرزق والتجارة في شتى بقاع الأرض٠ وخلال سعيهم طوروا الطرق والأساليب التي يستخدمونها في السفر وأصبحوا على معرفة كبيرة بعلم الجغرافيا فكانوا هم رواده بلا منازع، حيث أن رحلاتهم واستكشافاتهم جعلتهم أول من يصل أقطار الأرض ببعضها ليصفوا ما شاهدوه ويدونوا ما رأوه لمن يأتي بعدهم من البحارة والمستكشفين.
* أشهر علماء الجغرافيا المسلمين
الإدريسي- المسعودي-الإصطخري-البتاني-ياقوت الحموي- ابن بطوطة-ابن جبير- ابن خرداذبة- القزويني- اليعقوبي-المرزوقي- ناصر خسرو- أحمد بن فضلان- الحسن بن أحمد المهلبي-أحمد بن ماجد- البيروني- زينغ هي- بيري رئيس- علي مجر.
* الحج
كانت طرق الحج هي مفتاح المسلمين لمعرفة الكثير عن البلدان الأخرى، حيث كانوا يعتمدون على الحجاج لوصف أسفارهم والطرق التي سلكوها لتصبح إرشادات مفصلة لمن يسافر بعدهم، وكانت حكايات المسلمين الذين يأتون من أماكن بعيدة للحج هي الوصف الأول لأماكن كثيرة لم يكن يعرفها أحد. كما كانت التجارة والبحث عن مصادر للرزق وامتثالهم للقرآن الذي حث على السياحة في الأرض والدعوة إلى الدين دافعاً كبيراً لهم ليرتحلوا، وأسهمت أيضاً المتطلبات السياسية للدولة الإسلامية والحاجة لتوسعها في استكشاف المسلمين لأماكن جديدة.
* استكشاف الأرض
دبت الحماسة في المسلمين في القرن السابع ليرتحلوا ويستكشفوا الأرض حباً للمعرفة وامتثالاً لتعاليم الإسلام وبحثاً عن موارد الرزق، وكانوا يصفون كل الأماكن التي وردوا عليها شفهياً بعد عودتهم من كل رحلة، وألفوا الكتب التي تصف الطرق التي سلكوها.
وردت أوصاف الصين للمرة الأولى في القرن التاسع الهجري عندما بدأت التجارة بين الصين والخليج العربي، ومن أشهرها كتاب المسالك والممالك الذي ألفه ابن خرداذبة المتوفي في القرن العاشر ، والذي وصف فيه الطرق الرئيسية للعالم الإسلامي، وأشار في الكتاب إلى الصين وكوريا واليابان والسواحل الآسيوية الجنوبية وجزر أندامان وملايا وجاوة.وقد نشرت مقتطفات من هذا الكتاب في لندن بعد وفاة كاتبه بـ 6 قرون!
لقد كان في حكايات التجار المسلمين الغريبة عن المخلوقات التي يرونها والأهوال التي يمرون بها في رحلاتهم، إلهاماً للعديد من الكتابات الشهيرة في الثقافة العربية مثل السندباد وألف ليلة وليلة، وغيرها من الكتابات العالمية.
* ابن فضلان والحموي وابن بطوطة
ابن فضلان-وابن بطوطه كان ابن فضلان مؤرخاً عربياً أرسله الخليفة من بغداد في عام 921 كسفير لملك البلغار، وقد وصف رحلته في كتاب أسماه “كتاب إلى ملك الصقالبة” وهو كتاب ذو قيمة عظيمة يرقى لمؤلفات ابن بطوطه يصف أوروبا الشمالية وسكانها.
وفي القرن الـ 13 ارتحل ياقوت الحموي في رحلته من البصرة ثم حلب وفلسطين وبلاد فارس ليصنع مؤلفات رائعة لم يتبقى منها سوى 4 أشهرها معجم البلدان، وقد كتب فيه تحليل للطبيعة الجغرافية للأماكن التي زارها وتقاليد وعادات سكانها وتاريخهم ليلخص بذلك معرفة عالمية ثريه في ذلك الحين.
أما ابن بطوطه الرحالة الشهير الذي ترك طنجة بادئاً رحلته عام 1352 ولم يعد لبلده لمدة 29 عاماً ارتحل خلالها مشياً على الأقدام تارةً وتارةً أخرى راكباً ومبحراً ليقطع مسافة تزيد على 75 ألف ميل ويرى أكثر من 40 قطراً من الأقطار الحديثة.
أوصافه ورواياته أضاءت حقبة تاريخية لم نكن لنعرف عنها شيئاً، فعرفنا كيف كان الذهب يأتي من صحاري جنوب أفريقيا إلى مصر والشام وأن الخزف والعملة الورقية جاءا من مصر إلى الصين، ويعد ما رواه ابن بطوطه عن منطقة غرب أفريقيا هي السجل الوحيد لدينا عن تاريخ هذه المنطقة في العصور الوسطى.
* المِلاحة
يُقال أن الصينيون هم الذين اخترعوا البوصلة، ولكن البحارة المسلمين طوروها وابتكروا منها عدة تصاميم مختلفة، وكانت تسمى حينها بيت الإبرة. أول وصف لاستخدامها جاء في كتاب كنز التجار في معرفة الأحجار للعالم القبجاقي عام 1282م. وقد أخذ المسلمون تصاميم واستخدامات البوصلة إلى أوروبا في رحلاتهم. عرف المسلمون طرق البحر أكثر من غيرهم أثناء بحثهم عن فرص للتجارة وطرق للحج، وأشهر من كان يعرف طرق البحر من البحارة المسلمين هو ابن ماجد وبيري رئيس.
وبينما كان المسلمون يستكشفون العالم ويسبرون أغوار البحار كانت معرفة الأوروبيين محدودة بمناطقهم المحلية فقط.
* ابن ماجد وبيري رئيس
ابن ماجد من نجد كان من أهم البحاره في القرن الـ 15 حيث كان على معرفة بطرق البحر كلها من البحر الأحمر وحتى شرق أفريقيا ومن شرق أفريقيا إلى الصين، وقد كتب عن هذه الطرق 38 مقالاً لم يتبقى منهم سوى 25 تحدث فيها عن الفلك والملاحة ومنازل القمر والموانئ.
اما بيري رئيس البحار التركي الشهير الذي يعد من أهم البحارة في القرن السادس عشر، فقد كتب “كتاب البحرية” الذي كان يحتوي على خرائط وتغطي السواحل والموانئ والطرق البحرية للبحر المتوسط وبحر إيجة ، مع الاتجاهات والمسافات الدقيقة لكل مكان.
* الرجل الأسطورة
نأتي لبحار آخر أحدث تطوراً كبيراً في الاستكشاف البحري في القرن الـ 15، “زينغ هي” البحار الصيني المسلم أميرال الأسطول الصيني، والذي نجح في الإبحار من الصين في المحيط الهندي عبوراً بسيرلانكا وشرق أفريقيا والخليج العربي والعودة مرة أخرى للصين، وكان ذلك قبل عشرات السنين من استكشافات كولومبوس وفاسكو داجاما الشهيرين.كان أسطوله مكوناً من 317 سفينة حملت 27,870 رجلاً قاطعاً مسافة تزيد على الـ 50,000 كيلومتر في بحار مجهولة تماماً!
يمكننا القول أن ما فعله الرجل يرقى لإنجاز الصعود إلى القمر!
اما أن السفن التي استخدمها زينغ ليست سفناً عادية، فقد كانت ضخمة للغاية ووصل طول أحدها إلى 449 قدم، ولتخيل ضخامتها بالنسبة لإمكانيات هذا الزمان يمكننا مقارنتها بسفينة تايتانيك الشهيرة والتي كان طولها 882 قدم!
وقد قام “زينغ هي” بـ 7 رحلات بأسطوله الضخم انتهت بجعل الصين رائدة بلا منازع في تكنولوجيا الملاحة والقوة البحرية، ورسم خريطة للعالم تُشبه العالم كما نعرفه!
* الإدريسي والخرائط
كان البحارة يصفون ما يرونه شفهياً حتى ظهرت الأوراق في بغداد في القرن الثامن وبدأ البحارة يخطون ما يرونه ويرسمون الخرائط ودلائل الأسفار. وقد كان المسلمون يرسمون الخرائط بالمقلوب، حيث كانوا يرون الجنوب هو الشمال والعكس، وقد ظهرت خريطة للأرض على يد العالم الإدريسي في القرن الثاني عشر ، والذي عمل عليها لمدة 15 سنة بعد أن أجرى مقابلات مع العديد من البحارين في صقلية ليرسم من أوصافهم 70 خريطة وضع فيها شرحاً لجميع القارات الآسيوية والأوروبية والأفريقية شمال خط الاستواء قبل 200 سنة من ماركو بولو الشهير!
وقد عرف المسلمون منذ زمن طويل أن الأرض كروية في حين تمسك الأوروبيون بفكرة انبساطها لفترة طويلة من الزمن، حتى أن الإدريسي قام بعمل مجسم كروي من الفضة ليشرح فكرة كروية الأرض. ويعد كتاب الإدريسي “نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق” الذي جمع فيه خبرته من أعظم الأعمال الجغرافية المنفردة في العصور الوسطى، وقد ظل الجغرافيون ينسخون من خرائطه لمدة 3 قرون بعد ذلك دون تغيير.
* رئيس” و “مجر” وخريطة العالم كما نعرفه اليوم!
اكتشف الأتراك حديثاً في القصر العثماني “توب قابي” قطعة من خريطة نادرة مُوقعة من الأميرال “بيري بن الحجي محمد رئيس” بتاريخ 1513 م بها تفاصيل مدهشة لخريطة أمريكا، وكتب عليها بيري: ” هذه الخريطة لم يكن أحد يملك مثلها والفقير(يعني نفسه) خططها بيديه مستخدماً 20 خريطة إقليمية وبعض الخرائط العالمية”.
للأسف لم يتم العثور على باقي الخريطة حتى الآن.أما الملاح التركي “علي مجر” فقد نجح في رسم خريطة مذهلة للعالم في عام 1567م وكأنه يمتلك أقماراً صناعية، ولم يستخدم فيها الحدود السياسية بين الدول وكانت تشير لاتجاه الشمال كنا نعرف خرائط اليوم الحديثة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

مثل ينطبق علي واقعنا(( ظل البيت لمطيره وطارت بيه فرد طيره )) // بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي الحيالي

وقاضي قضاة العشق قاتله الهوي/ بقلم الاستاذ توفيق محمد نظمي سرحان