الشوري مبدأ د.صالح العطوان الحيالي الحيالي

الشورى مبدأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 27-5-2018
سن الإسلام مبدأ الشورى بين الحاكم والمحكوم وبين أبناء المجتمع المسلم، فقال تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»، وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ»، فالشورى تنهي الاستبداد وتحد من الظلم وتحجب الجور؛ لأن في اجتماع الآراء وملاقحة الأفكار وتقليب وجهات النظر استجلاء للأمور وكشفا للحقائق وإظهارا للمستور وتعريفا للخطأ.
ولو بقي الحاكم بلا مشورة ولا نصح لاستبد به الرأي وصار على طريقة فرعون حيث يقول: «مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ»، لكن الإسلام أمر الحاكم أن يستشير أهل العلم والإيمان وأهل الاختصاص والعقل والتدبير ليعينوه بآرائهم السديدة إلى الصواب في القول والعمل فيكون قراره موفقا وعمله صائبا، ولهذا شاور صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو النبي المعصوم الموحى إليه من ربه، فكيف بغيره ممن لا عصمة له ولا يؤمن عليه الخطأ وهو مظنة الحيف والزلل؟
وإنك لتجد أكثر الأخطاء القاتلة التي وقع فيها الحكام عبر التاريخ إنما هي من التفرد بالرأي والاستبداد بالحكم ورفض النصح واقتراح المشورة، فوقع الظلم والجور والتصرفات الهوجاء والأفاعيل الرعناء، فلهذا أخذ الإسلام بالحيطة درءا لهذه المخاطر وحماية للأمة والدولة والمجتمع من عواقب الاستبداد والانفراد بالقرار، فأوجب التشاور، ودعا إلى النصيحة بالحكمة والرفق واللين، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
والشورى في الإسلام تؤخذ من أهل الحل والعقد ممن له قدم صدق في الإيمان والخير والصلاح والنفع والفضل والعقل وحسن الفهم وسداد البصيرة وسلامة النهج، ولا تؤخذ المشورة من السفهاء والأغبياء والحمقى وأهل الريب والمخالفات ومرضى القلوب
تحتاج الدول إلى استخدام الأنظمة المختلفة في سياستها من أجل السَّيطرة على مُجريات الأمور من دون تطرّفٍ ولا تراخي؛ فقديماً كانت السيادة المُطلقة للحاكم أو من ينوب عنه في كلّ الأمور من دون العودةِ إلى رأي الشعوب أو محاولة تحليل احتياجاتهم ورغَباتهم، ولكن أصبحت هذه الطريقة الظالِمة خاطِئةً بسبب الانفتاح الكبير الذي تعيشه الشعوب، فلم يعد هناك مجال للغَصْب أو الإجبار، بل أصبح التشاور والاستفتاء هما المحرِّك الرئيسي لقوّة الدولة. الشُّورى الشُّورى هي أخْذ آراء الآخرين حول مسألةٍ معينةٍ للوصول إلى الرأي الصائِب أو الأقرب إلى الصَّواب وتحقيق رضا المُعظَم، ويتّصف أهل الشورى بعدّة صفاتٍ تؤهلهم للمشاورة مثل أن يكونوا أصحاب خبرةٍ وفطنةٍ، وعدلٍ ورجاحة عقلٍ بعيدين عن الاتصاف بالتحيّز والتمييز، كما يجب أن يكونوا ممن يَقبلون الرأي الآخر ويُقبِلون عليه. الشُّورى في الإسلام كان الدين الإسلامي هو السبّاق في تطبيق الشورى بين المسلمين، فتدل الأحاديث والآيات النبويّة على تطبيق مبدأ الشورى بشكلٍ فاعلٍ على الرّغم من طاعة المسلمين لله تعالى ورسوله صلى الله وسلّم العمياء؛ حيث إنّهم يطيعون جميع الأوامر والنواهي من دون تشكيكٍ أو رفض. قال تعالى في سورة آل عمران ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ))، وفي سورة الشورى قال تعالى (والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومّما رزقناهم ينفقون. عبّر أبو هريرة عن مشورة النبيّ صلى الله عليه وسلّم بقوله (( لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)). إنّ الشورى في الإسلام قاعدة يرتكز عليها في قوانينه وأنظمته، واستخدمها الصّحابة رضوان الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم؛ حيث تمّ اختيار أبي بكرٍ الصِّديق خليفةً لهم بعد وفاة الرسول بالتشاور فيما بينهم واستمر الأمر كذلك فيما بعد
الشورى الملزمة كشرع وعبادة ومبدأ وقانون وعرف من أهم عناصر صمود البنية التنظيمية للاتفاق على العمل ولحسم الخلاف حتى تكون البنية التنظيمية عصية على الذوبان أو الانحراف أو الخديعة أو الخطأ أو الانكسار أو التقزيم أو التهميش أو التراجع.
وترجع الجدية في تطبيق الشورى الملزمة إلى مدى ارتفاع درجة التجانس بين الأفراد - كل الأفراد قيادة وجنود- في منظومة القيم والمفاهيم والتعاون الإيجابي لتفادي عوامل انهيار البنية التنظيمية.
فالأصل أن الشورى لا تأتي إلا بخير في كل أحوالها علم ذلك من علم وجهله من جهل.
فتبعد الإنسان السوي أو المؤسسة القوية والدول الرائدة بعيدا عن الفردية أو التسلط أو الاستبداد في الرأي والقرار فيزداد السوي استواء ويقوم المعوج وتنعم المؤسسة بالاستقرار والتقدم والنماء وتنجز الأعمال وتحقق الغايات وتوضع المفاهيم والأسس في موضعها الطبيعي وتوضح الاستراتجيات.
وتعمل الشورى على نشر الألفة بين الأفراد، فهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة.
تنبع أهميّة الشّورى في تحقيقِ التواصل ما بين الرؤساء والمسؤولين وبين أبناء الشعب، وبالتالي يشعر المواطنون بأنهم على صلةٍ مع من يقومون بتنظيمِ أمور حياتهم، كما أنه يتم التوصل إلى القرارات الأقرب للصواب؛ فعند أخذ آراء ناسٍ متعددين أفضل من التفرّد برأي شخصِ واحدٍ، لأن الإنسان عقله لا يمكن أن يحيط بجميع الأمور معاً في الوقت نفسه.
وحينما تكون الشورى أمراً إلهياً وسلوكاً نبويًّا، فإن الفرد والمؤسسة والمجتمع الذي يتمسك بها، ويسير على دربها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والسداد والرشاد والنجاح.
ولذلك خاطب الله - تعالى -رسوله - صلى الله عليه وسلم- معلماً وموجهاً وآمراً بتفعيل عبادة (وأمرهم شورى بينهم) برغم أنه نبي مرسل عنده من الله بينة وبرهان (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى).
ومع الشورى سواء بسواء يأتي أهمية النظام والترتيب والإعداد والاجتهاد والأخذ بالأسباب وتقرير المشترك وما يترتب عليه عمل وحصر نقاط الخلاف واستكمال البنيان بآليات واضحة وصحيحة وشفافة تعطي الثقة والأمل وتتخطى الإشكاليات والعقبات ولا تضيع الأوقات والطاقات هباء وسدا من غير طائل.
وقد تأتي الشورى بغير المأمول أو المراد أو المتوقع أو بغير رأي الفرد ورغبته وحماسته، فليس لنا بد إلا إمضاء الشورى والعمل على نجاحها واستكمال ما قد ينقص بها في وقت المحن كما حدث في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم- من المدينة لملاقاة العدو على غير رغبته وكبار الصحابة يوم أحد ولكنه نزل على رأي الشورى وحماسة الشباب وهو يعلم حجم التضحيات ومآل الأمور ومؤيد برؤية نبوية تفسر حجم الجراح، وراجع الصحب الكرام موقفهم وقالوا: (( يا رسول الله، استكرهناك، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعد، فقال - صلى الله عليه وسلم-: ((ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل)) إقرارا لمبدأ وقانون وسنة وعبادة يتقرب بها لله - تعالى -.
قال ابن هشام في "سيرة النبي": "يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، واختبر الله به المؤمنين ومحص به المنافقين، ممن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويومًا أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته".
فرغم المصاب والحزن والجراح والألم والندم والخلل من رماة الجبل وانسلاخ ابن سلول، أكد الله - تعالى -على رسوله - صلى الله عليه وسلم- بعدم الخلل في مبدأ الشورى بل التأكيد عليه والتعلم منه وعدم إهماله أو تأخيره عن وقت الحاجة والعزم.
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

مثل ينطبق علي واقعنا(( ظل البيت لمطيره وطارت بيه فرد طيره )) // بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي الحيالي

وقاضي قضاة العشق قاتله الهوي/ بقلم الاستاذ توفيق محمد نظمي سرحان