(( العراق أولا وأخيرا )) يعقوب شهاب احمد التميمي

(( العراق أولا وأخراً ))
حديث مجنون
الحلقة مئة وتسع والتسعون
بقلم ناهي الطائي
سمعت ؛ ورأيت
قال الشاعر العربي (( والضد يظهر حسنه الضد )) اي ان التضاد هو اساس الكون ما دون الوحدانية , فالانبياء والرسل اودعهم الامانة فكان لهم اضداد , وبقدر موبقات الاضداد , تظهر جمالية الرسالة , وكذلك الرموز في جميع مسارب الحياة , وهناك من الاضداد ما تهز اعماق الانسان اضافة لما فيها من عبرة واتعاض , فالردئ هو ردئ والسيء هو سيء والحسن في مرآة الله والناس حسناً , وكلاهما يحملان مبدأئين ثابتين عليهما , لا يغيرهما زمان ولا مكان , والحكاية التي اريد ان اتحدث بها نصفها سمعتها ونصفها الاخر رأيته بام عيني , وعزفت عن ذكر الاسماء , والمغزى منها هو العبرة والاعتبار .
حدثني احد من اثق بهم ان شاباً عراقياً تقرب منذ سنتين يأتي كل رمضان إلى مدينة البصرة , ويبحث عن المحتاجين والمعوزين والاغنياء من التعفف , ويأتي في أواخر رمضان ويقدم على قدر استطاعته العون المادي لهم . وزادني صاحبي انه كان يرافقه في بحثه عن من هم مقصده فيقدم لهم مما تفضل عليه الله به , فينبت بذرة الفرحة في قلوبهم وكأنه يقول لهم ان الدنيا لازالت بخير , وحدثني صاحبي قائلاً لقد كنت ارى الفرحة على وجهه ومن خلال صوته ودعاءه لهم , وكان يحضر من المال كمية لابأس بها وفي الحقيقة هو لا يوزع مالاً فقط وانما يوزع أملاً , ويذكر الناس بان الله لا ينسى عباده المؤمنين المعوزين , ويجعل لهم سبلاً لما هو افضل , هذه صورة .
والصورة التي رأيتها هي لاحكم عليها بل اترك لمن يقرأ هذا الحديث ان يصفها كما يشاء , وهي انه في حي ما من احياء هذه المدينة , رجل بلغ من العمر عتياً , سألته يوماً لم لا تصوم رمضان قال : كيف اصوم رمضان وانا بالكاد ادبر غداي وعشاي , فقلت له ماذا تعني قال : اني اكثر الايام اتغدى واتعشى خبزاً وبصلاً وملحاً , او شاياً وخبزاً , واكثره يابس من يومين او ثلاثة فقلت له وعيالك اين ؟ وهم ليسوا ببعيدين , قال : نعم ليسوا بعيدين بل هم على مقربة مني ولكن اخجل من الذهاب اليهم واخبرهم مما انا فيه , لانه في نفسي بقية من عزه كما انهم يعلمون بما انا فيه , وثقيل علي ان اطرق بابهم واشتكي مما انا في حاجته من الطعام , فالصبر على ما انا فيه افضل بكثير من اطرق باب احداً منهم رغم يسر حالهم , وقال حتى لو بينت حالي لهم , فان المايشوف بعينه لا يسمع بأذنه , فصبراً جميل وان الله مع الصابرين , وقطعت الحديث .
هذان صورتان , رجل مغترب في اقصى الدنيا يأتي ليساعد ابناء مدينتهِ بما يدخره خلال سنة , واناس ذوي رحمهم قريب منهم وصورته التي اخبرني بها , فالصورة الثانية تزيد لاولى حسناً وجمالاً هذا عند الناس اما عند الله فالله تعالى يفصل بينهم والحكم للقارئ , وقبل ان انهي حديث هناك تسائل يدفع بي دفعاً إلى القول : هل ان الغربة تلين القلوب وتوقد جذوة التواصل مع الوطن بطريقته , ام ان في الغربة مجتمع يحمل انسانية لا نعرفها , وطريقة تعايش مع الاخرين لم نصل اليها بعد ؟ ام ان فلسفة المجتمع المسيحي نابعة من قول المسيح (ع) (( على ارض السلام وفي الناس المسرة )) وغدى فلسفة وديانة مترسخه في اللاوعي الفردي والجماعي ؟ ام ان الحنين إلى الوطن والناس يصبح مبدأ وقضية وغاية ؟ وهذا يذكرني بقول الجواهري وهو يشتاق لمياه دجلة الخير : (( وردت عيون الماء صافية .. نبعاً فما كانت لترويني )) ومن الجانب الثاني , هل ان قرب الناس من بعضها وتعارض المصالح الحقيقية والمفتعلة يبعدهم عن بعض ؟ ام ان قطع الرحم اصبح فلسفة سائدة ؟ ام ان الناس يقرؤون ويسمعون القرآن واحاديث الرسول (ص) صلة الرحم ويرمونها خلف ظهورهم ؟ ام ان التباري بالعقوق اصبح صفة ممدوحة ؟ ام هو تقصير في التوجيه والتذكير ؟ كل ذلك وغيره الكثير عجز المجنون عن ايجاد جواب له وبقيت اسئلة حائرة في مخيلته , والذاكرة واخيراً وهل نحن بحاجة إلى مراجعة ما نحن فيه ؟ لست ادري !!! أفتونا يرحمكم الله .
يعقوب شهاب احمد التميمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اصدقاء السوء وصفاتهم وطرق الابتعاد عنهم// بقلم الدكتور صالح العطوان الحيالي الحيالي

مثل ينطبق علي واقعنا(( ظل البيت لمطيره وطارت بيه فرد طيره )) // بقلم د. صالح العطوان الحيالي الحيالي الحيالي

وقاضي قضاة العشق قاتله الهوي/ بقلم الاستاذ توفيق محمد نظمي سرحان